الله ، ومقتضى مفهوم العلّة ثبوت الفساد مع تحقّق العصيان ، فيستفاد منه قاعدة كلّيّة ، وهي أنّ كلّ ما حرّم ونهي عنه شرعا على وجه يكون مخالفته عصيانا لله تعالى يكون ملازما للفساد ، وبعد ثبوت تلك الملازمة بهاتين الروايتين فيكون النواهي الشرعيّة مقتضية للفساد.
هذا ، وقد نوقش في الاحتجاج بهما بوجهين متقاربين :
أحدهما : ما ذكره المحقّق القمّي رحمه الله (١) من أنّ المراد بالمعصية فيهما إنّما هو مجرّد عدم الرخصة من الشارع ، [ وإلاّ ] فمخالفة السيّد أيضا معصية.
وتوضيح كلامه : أنّه لا يمكن حمل المعصية في قوله عليه السلام : « لم يعص الله ، أو ليس عاصيا لله » على حقيقتها ، إذ معه لا يمكن نفيها بالنسبة إلى الله تعالى وإثباتها بالنسبة إلى السيد ، فإنّ مخالفة السيّد أيضا مخالفة لله وعصيان له لوجوب متابعته على العبد شرعا ، فمع فرض ثبوت عصيان السيد يلزم ثبوت عصيان الله تعالى أيضا ، إذ معه لا يمكن نفيه بالنسبة إليه تعالى ، فلا بدّ أن يكون المراد بالمعصية غير معناها الحقيقي من المعاني المجازية ، وأقربها هو عدم الإذن والرخصة في الجملة ولو بعد إذن السيّد وإمضائه ، فيكون معنى الروايتين أنّه لم يأت بشيء لم يأذن الله له فيه ولم يرض به ، بل أتى بما أذن له فيه ورضي به ولو بضميمة إجازة السيّد ، فيكون مفهوم العلّة على هذا هو فساد ما لم يأذن الله فيه ، ومن المعلوم أنّ فساد ما لم يأذن الله فيه إنّما هو لعدم إمضائه ، لا للنهي والعصيان.
والحاصل : أنّ المراد بالمعصية إنّما هو الإتيان بما لم يرض الشارع بصحّته ومضيّه ولو بضميمة الإجازة ، لا الإتيان بما نهى الشارع عنه ، وإلاّ فهو ثابت حينئذ بمخالفة السيّد أيضا ـ كما عرفت ـ فلا يصحّ نفيه ، فيكون مفهوم العلة
__________________
(١) قوانين الأصول : ١ ـ ١٦٢.