وإن كانا متغايرين في الحقيقة ، فانّ الصّدق يحصل بمجرد اتّحاد كلا الأمرين في الوجود ، وان كانا في الواقع موجودين بوجود واحد . فلذا يجوز تعريف الضّاحك بأنه الانسان ، أو حيوان ناطق ـ مثلاً ـ ويجوز العكس أيضاً ، فيقال : الانسان هو الضّاحك .
فنقول فيما نحن فيه إنه لما كان تحقق الوجوه المذكورة مستلزماً لتحقق الذات معها ، لكونها من عوارضها ، والمفروض أنهما موجودان بوجود واحد ، فكلما صدقت هي صدقت الذّات ، فيصحّ تعريف المصداق الخارجي بكل منهما ، لكونه متحداً مع كل منهما فعلىٰ هذا ، لا يكشف تعريف شيء بأمر عن اعتبار جميع ما ينحل إليه هذا الأمر في المعرّف ، بل هو أعمّ .
هذا ، مع أنّ انحلال معنىً إلى أجزاء ـ بالدقائق الحكمية ـ لا يوجب اعتبار تركّب المعنى المذكور من تلك الأجزاء عند الوضع ، ليكون كلّ جزء جزء من الموضوع له من حيث إنه الموضوع له ، بل ربما يضع الواضع لفظاً لمعنىً لا يدري أن حقيقته ماذا ، وإنما يلاحظ هذا المعنى بوجه من وجوهه ، ككونه معنىٰ اللفظ الفلاني في اللغة الفلانية ، كأن يضع لفظ الذئب ـ مثلاً ـ لما يعبّر عنه بالفارسية بـ ( گرگ ) مع ملاحظته بهذا الوجه ، أي ما يعبّر عنه بـ ( گرگ ) بل الغالب في الأوضاع البشرية ذلك ، فإنّهم كثيراً ما يضعون لفظاً لمعنىً لا يعرفون حقيقته ، وإنما يعرفها الحكيم ، والعرف أيضاً لا يفهمون تلك المعاني ، إلّا على وجه لاحظه الواضع .
وكيف كان ، فالمدار في بساطة معنىٰ اللفظ وتركبه على ملاحظة الواضع ، لا على انحلال المعنى ـ في نظر العقل ـ فلذا لم يقل أحد بكون دلالة الإنسان على الحيوان أو على الناطق تضمّناً ، مع أن معناه ـ في نظر العقل ـ ينحل إليهما .
وعلى فرض تسليم أنّ المدار ـ فيما ذكر ـ على التّركب والبساطة ـ في نظر العقل (١) ـ مع أنه لم يقل به أحد ، فلا يرد علينا في المقام شيء ، لما قد عرفت من خروج الذّات عن حقيقة معاني تلك الألفاظ ، وانما هي معروضة لها لا تنفك عنها .
___________________________
(١) في نسخة الاصل ذكر بدل العقل النقل ولكن الظاهر انه سهو .