المقدمة الثالثة : في تأسيس أن الأصل هل هو مع الصحيحي ، او الأعمي او مع كليهما ، اولا أصل في البين . لينعرف المرجع مع الغضّ عن الأدلة او مع فرض تصادمها وعدم المرجِح .
فنقول : أما الأصل العملي فإن قلنا بأنه البراءة عند الشك في الجزئية والشرطية الناشئ عن إجمال الخطاب ، فهو مع كل من الصحيحي والأعمي .
وإن قلنا بأنّه الاشتغال ، فان كان إطلاق ألفاظ العبادات وارداً مورد حكم آخر فهو أيضاً مع كل من الصحيح والأعم ، وإلّا فالبراءة مع الأعمّي ، والاشتغال مع الصحيحي ، ومن المعلوم أن المجرى مجرى البراءة عند الشك في الاشتغال .
وأمّا الأصل اللفظي ، فأصالة عدم الإجمال ، أعني غلبة البيان في الألفاظ ، وكذا أصالة الحقيقة في الاستعمال ، أعني غلبة الاشتراك المعنوي من الاشتراك اللفظي ومن الحقيقة والمجاز ، فيلحق المشكوك الصالح لكل منهما بالأعم الأغلب مع الأعمي ، لا غير .
وأما ما يتوهم للصحيحي من أصالة عدم الوضع للأعم ، فمعارض بمثله ، ومن أصالة عدم التقييد ، بتقريب أنها لو كانت أسامي للأعم لزم تقييدات كثيرة في الماهيات ، وهو خلاف الأصل ، وعلى الصحيحي لا يلزم تقييد أصلاً ، فممنوع بأن مجرى أصالة عدم التقييد إنما هو في تشخيص المرادات ، وكلامنا في تشخيص الأوضاع ، وتشخيص المراد فرع تشخيص الوضع .
ووجه ذلك : أن اعتبار أصالة عدم القرينة وعدم التقييد في إثبات المرادات إنما هو من حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان وقبح الإغراء بالجهل الذي لا مسرح لادعائه في إثبات الأوضاع ، ولهذا لم يعدوا أصالة عدم التقييد في جملة علائم الوضع فيما مر .
* * *