ومن ناحية اخرى : أنّ لكل وجود عدماً مضافاً إليه وهو بديله ونقيضه ، وقد برهن في محلّه أنّ نقيض الواحد واحد ، فلا يعقل أن يكون الاثنان بما هما اثنان نقيضاً للواحد ، ضرورة أنّ نقيض كل شيء رفع ذلك الشيء لا رفعه ورفع شيء آخر وهكذا ، مثلاً نقيض الانسان رفع الانسان لا رفعه ورفع شيء آخر ، فانّ رفع ذلك الشيء نقيض له لا للانسان.
نعم ، قد ثبت في المنطق أنّ نقيض الموجبة الكلّية السالبة الجزئية وبالعكس ، ونقيض السالبة الكلّية الموجبة الجزئية كذلك ، ولكن من المعلوم أنّ هذا التناقض ملحوظ بين القضيتين والكلامين بحسب مقام الاثبات والصدق ، بمعنى أنّ صدق كل منهما يستلزم كذب الآخر ، مثلاً صدق الموجبة الكلّية يستلزم كذب السالبة الجزئية وبالعكس ، وكذا صدق السالبة الكلية يستلزم كذب الموجبة الجزئية وبالعكس ، فهما متناقضان بحسب الصدق ، فلا يمكن فرض صدق كليهما معاً ، كما أنّه لا يمكن فرض كذب كليهما كذلك. وهذا هو المراد بالتناقض بينهما ، ويسمّى هذا التناقض بالتناقض الكلامي.
ومن الواضح جداً أنّ هذا أجنبي عن التناقض فيما نحن فيه ـ وهو التناقض بين الوجود والعدم بحسب مقام الثبوت والواقع الموضوعي ـ ضرورة أنّه لا يمكن أن يكون نقيض الوجود الواحد أعداماً متعددة ، ونقيض العدم الواحد وجودات متعددة ، وإلاّ لزم ارتفاع النقيضين ، وهذا من الواضحات الأوّلية.
ومن ناحية ثالثة : أنّ وجود الطبيعي عين وجود فرده في الخارج ، لوضوح أنّه ليس للطبيعي وجود آخر في قبال وجود فرده ، وقد ذكرنا في بحث تعلق الأوامر بالطبائع (١) أنّ معنى وجود الطبيعي في الخارج هو أنّ هذا الوجود الواحد الخارجي كما أنّه مضاف إلى الفرد ووجود له حقيقةً وواقعاً ، كذلك مضاف إلى
__________________
(١) في ص ١٩٤