الطبيعي ووجود له كذلك ، وقد قلنا هناك إنّ كل وجود متشخص بنفس ذاته وهويته لا بوجود آخر ، بداهة أنّ الوجود عين التشخص لا شيء وراءه.
وأمّا الأعراض الملازمة له في الوجود فهي وجودات مستقلّة في قباله ، فليست من مشخصاته ، وفي إطلاق المشخص عليها مسامحة واضحة ، كما تقدّم ذلك بشكل واضح ، فهذا الوجود كما أنّه وجود للفرد حقيقةً وجود للطبيعي كذلك ، فلا فرق بينهما إلاّفي الاعتبار وجهة الاضافة ، ومن هنا صحّ القول بانّ نسبة الطبيعي إلى أفراده نسبة الآباء إلى الأولاد ، لا نسبة أبٍ واحدٍ إلى الأولاد.
ومن ناحية رابعة : أنّه إذا كان وجود الطبيعي في الخارج عين وجود فرده ، فلا محالة يكون عدمه فيه عين عدم فرده ، وهذا واضح.
ومن ناحية خامسة : كما أنّ للطبيعي وجودات متعددة بعدد وجودات أفراده ، كذلك له أعدام متعددة بعدد أعدامها ، لما عرفت من أنّ عدم الطبيعي عين عدم فرده وبالعكس.
فالنتيجة على ضوء هذه النواحي : هي أنّه لا مقابلة بين الطبيعة الملحوظة على نحو توجد بوجود فردٍ منها ، والطبيعة الملحوظة على نحو تنتفي بانتفاء جميع أفرادها ، ضرورة أنّ نقيض الوجود الواحد واحد وهو عدمه البديل له ، لا عدمه وعدم الفرد الثاني والثالث ... وهكذا ، فأوّل وجود هذه الطبيعة أوّل ناقض لعدمها ، ونقيضه البديل له عدم هذا الوجود الأوّل ، وهو وإن كان يستلزم بقاء أعدام بقية الأفراد على حالها ، إلاّ أنّه ليس عينها لتثبت المقابلة بين الطبيعتين المذكورتين وهذا ظاهر. وقد عرفت أنّ وجود كل فرد وجود للطبيعة وعدمه عدم لها ، غاية الأمر أنّ عدمه عدم لها بنحو القضية الجزئية ، فانّ عدمها بنحو القضية الكلّية بفرض عدم جميع أفرادها ، وهو مقابل وجودها بهذا النحو ، لا مقابل وجودها بوجود فردٍ منها كما لا يخفى.