في متعلقه ، بل هو في الواقع أمر ولكن ابرز بصورة النهي في الخارج.
إن اريد ذلك ، فلا معنى له أصلاً ، وذلك لأنّ ترك الترك وإن كان مغايراً للفعل مفهوماً ، إلاّ أنّه عينه مصداقاً وخارجاً ، لأنّه عنوان انتزاعي له ، وليس له ما بازاء في الخارج ما عداه.
أو فقل : إنّ في عالم التحقق والوجود أحد شيئين لا ثالث لهما ، أحدهما الوجود ، والثاني العدم البديل له. وأمّا عدم العدم فهو لا يتجاوز حدّ الفرض والتقدير ، وليس له واقع في قبالهما وإلاّ لأمكن أن يكون في الواقع أعدام غير متناهية ، فانّ لكل شي عدماً ، ولعدمه عدم ، وهكذا إلى أن يذهب إلى ما لا نهاية له. نعم ، إنّه عنوان انتزاعي منطبق على الوجود ، وعليه فالقول بأنّ الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضدّه في قوة القول بأنّ الأمر بالشيء يقتضي الأمر بذلك الشيء ، وهو قول لا معنى له أصلاً.
فالنتيجة : أنّه لا يمكن أن يراد من النهي عن الترك طلب تركه ، لاستلزام ذلك النزاع في أنّ الأمر بالشيء يقتضي نفسه ، وهذا النزاع لا محصّل له أبداً.
وإن اريد بالنهي عن الترك النهي الحقيقي الناشئ عن مبغوضية متعلقه ، وقيام مفسدة ملزمة به ، فالنهي بهذا المعنى وإن كان أمراً معقولاً في نفسه ، إلاّ أنّه لا يمكن أن يراد فيما نحن فيه ، وذلك لاستحالة أن يكون بغض الترك متحداً مع حبّ الفعل أو جزئه ، وذلك لاستحالة اتحاد الصفتين المتضادتين في الخارج.
وبعبارة واضحة : أنّه لا شبهة في أنّ الأمر الحقيقي يباين النهي الحقيقي تبايناً ذاتياً ، فلا اشتراك بينهما لا في ناحية المبدأ ولا في ناحية الاعتبار ولا في ناحية المنتهى. أمّا من ناحية المبدأ ، فلأنّ الأمر تابع للمصلحة الإلزامية في متعلقه ، والنهي تابع للمفسدة الإلزامية فيه. وأمّا من ناحية الاعتبار ، فلما ذكرناه غير مرّة من أنّ حقيقة الأمر ليست إلاّ اعتبار المولى الفعل على ذمة المكلف وإبرازه