بأس بأن يسمى هذا الوجوب بالوجوب الارتكازي ، لارتكازه في ذهن كل آمر وحاكم. وإن شئت قلت : إنّ النزاع في الحقيقة في ثبوت هذه الملازمة ، يعني الملازمة بين إيجاب شيء وإيجاب مقدماته ، وعدم ثبوتها.
الثانية : أنّ هذه المسألة هل هي من المسائل الاصولية أو الفقهية أو الكلامية أو المبادئ الأحكامية؟ ففيها وجوه بل أقوال :
قيل : إنّها من المسائل الفقهية ، ويظهر ذلك من عبارة جملة من المتقدمين منهم صاحب المعالم قدسسره (١) حيث قد استدلّ على نفي وجوب المقدمة بانتفاء الدلالات الثلاث.
ولكن هذا القول خاطئ جداً ، فلا واقع موضوعي له أصلاً ، وذلك لما حققناه في أوّل بحث الاصول من أنّ البحث في هذه المسألة ليس عن وجوب المقدمة ابتداءً لتكون المسألة فقهية ، بل البحث فيها إنّما هو عن ثبوت الملازمة بين الأمر بشيء والأمر بمقدمته وعدم ثبوتها ، ومن الطبيعي أنّ البحث عن هذه الناحية ليس بحثاً فقهياً ولا صلة له بأحوال فعل المكلف وعوارضه بلا واسطة هذا من ناحية.
ومن ناحية اخرى : أنّ البحث عن ثبوت الملازمة وعدمه في هذه المسألة يعمّ الوجوب والاستحباب فلا اختصاص له بالوجوب. وأمّا تخصيص العلماء محل النزاع بالوجوب فلعلّه لأجل أهميته وإلاّ فعلى القول بالملازمة لا فرق بينه وبين الاستحباب أصلاً.
وأمّا ما ذكره شيخنا الاستاذ قدسسره من أنّ الأحكام الفقهية مجعولة للعناوين الخاصة كالصلاة والصوم والحج والزكاة وما شاكل ذلك ، والمقدمة
__________________
(١) معالم الدين : ٦٢.