الأوّل فقد تقدّم حكمه بشكل موسع فلا نعيد. وأمّا الثاني وهو ما إذا كان الاضطرار باختياره ، كما إذا كان عنده ماء يكفي لوضوئه أو غسله فأراقه فأصبح فاقداً للماء ، أو كان عنده ثوب طاهر فنجّسه وبذلك اضطر إلى الصلاة في ثوب نجس ، أو كان متمكناً من الصلاة قائماً فأعجز نفسه عن القيام وهكذا ، فهل تشمل إطلاقات الأوامر الاضطرارية لهذه الموارد أم لا؟ وجهان والظاهر هو الثاني.
والسبب في ذلك : هو أنّ تلك الاطلاقات بمقتضى الظهور العرفي وارتكازهم منصرفة عن الاضطرار الناشئ عن اختيار المكلف وإرادته ، لوضوح أنّ مثل قوله تعالى : ( فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً ) إلخ (١) ظاهر بمقتضى المتفاهم العرفي فيما إذا كان عدم وجدان الماء والاضطرار إلى التيمم بطبعه وبغير اختيار المكلف ، ومنصرفة عما إذا كان باختياره. وكذا قوله عليهالسلام « إذا قوي فليقم » (٢) وما شاكل ذلك. وعلى الجملة : فلا شبهة في أنّ الظاهر من تلك الأدلة بمقتضى الفهم العرفي هو اختصاصها بخصوص الاضطرار الطارئ على المكلف بغير اختياره ، فلا تشمل ما كان طارئاً بسوء اختياره.
وعلى هذا الضوء لا يجوز للمكلف تعجيز نفسه باختياره وإرادته ، فلو كان عنده ماء مثلاً لم يجز إهراقه وتفويته إذا علم بعدم وجدان الماء في مجموع الوقت ، ولو فعل ذلك استحقّ العقوبة على ترك الواجب الاختياري التام أو على تفويت الملاك الملزم في محله ، ومن الواضح أنّ العقل لا يفرّق في الحكم باستحقاق العقاب بين تفويت الواجب الفعلي وتفويت الملاك الملزم في ظرفه إذا
__________________
(١) النِّساء ٤ : ٤٣.
(٢) الوسائل ٥ : ٤٩٥ / أبواب القيام ب ٦ ح ٣.