للعالم كوجوب التعلم للجاهل ، وهل يجوز أخذ الأُجرة عليه أو لا؟
تكلّمنا حول هذه المسألة ونظائرها في بحث المكاسب المحرّمة (١) وقلنا إنّ المشهور وإن نسب إليهم عدم جواز أخذ الأُجرة على الواجبات ، بل عمّم المنع بعضهم إلى الواجبات الكفائية إلاّ ما خرج بالدليل.
لكنّه لا يمكن المساعدة عليه ، إذ الوجوب بما هو لا يقتضي إلاّ لزوم الإتيان بالعمل تكليفاً. وهذا بمجرده لا يكون مانعاً عن الإيجار ، وإلاّ لمنع حتى في التوصّليات ، لعدم التنافي بين الأمرين ، فإنّ الوجوب بنفسه لا يقتضي سقوط العمل عن المالية أو سلب سلطنة العامل عليه أو خروجه عن ملكه كي لا يتمكن من تمليكه للغير حتى يتنافى مع أخذ الأُجرة عليه ، فكما أنّ الواجب يمكن وقوعه شرطاً في ضمن عقد لازم ، فكذا يمكن إيجاره ، غايته أنّه يجب حينئذ لملاكين وبوجوبين ، وجوبه لنفسه ، ووجوبه من قبل الأمر الاستيجاري أو الأمر بالوفاء بالشرط ، فهذا الأمر ممّا يؤكد الوجوب ويعضده لا أنّه ينافيه ويعارضه.
وبالجملة : حيثية الوجوب في نفسها لا ينافي الإيجار ، فإنّ الأوّل باب التكليف ، والثاني باب الوضع ، فالحيثيّتان متغايرتان ، وكل منهما لا يأبى عن الآخر ، فما أُفيد من أنّ الوجوب سالب للمالية ، أو أنّ المكلف بعد تعلق الوجوب بالعمل لا يكون مسلّطاً عليه لخروجه عن ملكه وصيرورته ملكاً لله تعالى ، غير سديد ، ضرورة أنّ العمل لا يكون ملكاً له تعالى تلك الملكية المصطلحة ، وإنّما ملكيته تعالى ليس إلاّ بمعنى الوجوب التكليفي المحض ، غير المنافي لوقوعه
__________________
(١) [ مصباح الفقاهة ١ : ٤٥٩ ] لمزيد التفصيل يلاحظ ما ضبطناه عنه ( دام ظله ) في كتاب الإجارة المسألة [٣٣٤٢].