النوع (١) إذ كان حب الدوام (٢) أمرا فائضا من الإله تعالى على كل شىء ، فما لم يصلح أن يبقى بشخصه ويصلح أن يبقى بنوعه فإنه تنبعث فيه قوة إلى استجلاب بدل يعقبه ليحفظ به نوعه. فالغاذية تورد بدل ما يتحلل من الشخص ، والمولدة تورد بدل ما يتحلل من النوع.
وقد ظن بعضهم (٣) أن الغاذية نار ، لأن النار تغتذى وتنمو.
وقد أخطأ من وجهين : أحدهما من جهة أن الغاذية ليست تغتذى بنفسها ، بل تغذى البدن وتنميه ، والنار إن كانت تغتذى فهى إنما تغتذى وتنمى بنفسها (٤). ومن وجه آخر أن النار ليست تغتذى ، بل تتولد شيئا بعد شىء وتطفأ ما تقدم. ثم لو كانت تغتذى وكان حكمها حكم غذاء الأبدان ، لما كان يجب أن يكون للأبدان وقوف فى النمو. فإن النار
__________________
(١) فى تعليقة نسخة : قال الامام فى المباحث : اما اللتان لبقاء النوع فاوليهما المولدة وهى التى تفصل جزء من فضل الهضم الاخير للمغتذى وتودعه قوة من سنخها ، وثانيتهما المصورة.
(٢) قوله قدسسره : إذ كان حب الدوام الى آخره : هذه الكلمة التامة فى غاية الجودة.
والطبيعى الذى اخلد الى الارض ويقول ما يهلكنا الا الدهر وينكر دار الخلود والبقاء لم يحب بقائه فى هذه العاجلة ويهرب عما يهلكه ويفنيه لولا البقاء كان اصلا ثابتا سرمديا ابديا ارتكز فى جبلة النفوس حبّه؟! ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور. قال صدر المتألهين فى الاسفار ( ص ١٦٣ ج ٤ ط ١ ـ ص ٢٤١ ج ٩ ط ٢ ) : ان الله تعالى قد جعل لواجب حكمته فى طبع النفوس محبة الوجود والبقاء وجعل فى جبلتها كراهة الفناء والعدم ، وهذا حق لما علمت ان طبيعة الوجود خير محض ونور صرف وبقائه خيرية الخير ونورية النور. الخ.
(٣) ذلك البعض هو هراكليتوس. راجع ص ٢٢ ج ٤ من الاسفار ط ١ ـ ج ٨ ص ٩٧ ط ٢.
وص ١٠٦ من نفس ارسطو.
(٤) نفسها ، نسخة.