الدماغ تحفظ ما تدركه القوة الوهمية من المعانى غير المحسوسة فى المحسوسات الجزئية.
ونسبة القوة الحافظة إلى القوة الوهمية كنسبة القوة التى تسمى خيالا إلى الحس المشترك. ونسبة تلك القوة إلى المعانى كنسبة هذه القوة إلى الصور المحسوسة. فهذه هى قوى النفس الحيوانية.
وأما النفس الناطقة الإنسانية فتنقسم قواها إلى قوة عاملة وقوة عالمة (١).
__________________
(١) قال المحاكم : لا شك ان للنفس الانسانية ادراكا للاشياء وتصرفا فى البدن وهو فعل منه فاثبتوا للنفس قوتين مبدأ الادراك ومبدأ فعل من جهتين : الادراك من الملاء الاعلى ، والفعل فى العالم الادنى وفى بدنه. فبالجهة الاولى متأثرة وبالجهة الثانية مؤثرة. فالقوة التى بها تدرك النفس الاشياء تسمى العقل النظرى والقوة التى بها صارت مصدرا للافعال تسمى العقل العملى. واطلاق العقل على القوتين بالاشتراك اللفظى لاختلافهما من حيث ان الاولى مبدأ الانفعال والثانية مصدر الفعل ، او بطريق التشابه لاشتراكهما فى كونهما قوى النفس.
ولما انقسم الادراك الى قسمين ادراك بامور لا تتعلق بالعمل وادراك لآراء متعلقة بالعمل لا جرم انقسم العقل النظرى الى قوتين او الى وجهين : قوة ادراك الامور التى لا تتعلق بالعمل كالعلم بالسماء والارض ، ومبنى الحكمة النظرية على هذه القوة. وقوة ادراك لآراء التى تتعلق بالعمل كالعلم بانّ العدل حسن والظلم قبيح ، ومبنى الحكمة العملية على هذه القوة لان مرجعهما العلم. واما العقل العملى فانما يصدر عنه الافعال بحسب استنباطه ما يجب ان يفعل من راى كلى مستنبط من مقدمة كلية ولما كان ادراك الكلى واستنباطه من المقدمات الكلية انما هو للعقل النظرى فهو مستعين فى ذلك بالعقل النظرى.
اذا العمل لا يتأتى بدون العلم مثلا لهما مقدمة كلية وهى أنّ كلّ حسن ينبغى ان يؤتى به وقد استخرجنا منه ان الصدق ينبغى ان يؤتى به لان الصدق حسن وكل حسن ينبغى ان يؤتى به ينتج ان الصدق ينبغى ان يؤتى به ، وهذا رأى كلى ادركها العقل النظرى.
ثم ان العقل العملى لما اراد ان يوقع صدقا جزئيا فهو انما يعقل بواسطة استخراج ذلك الجزئى من الرأى كانه يقول هذا صدق وكل صدق ينبغى ان يؤتى به فهذا الصدق ينبغى أن يؤتى به فهذا الصدق ينبغى أن يؤتى به وهذا رأى جزئى ادركها العقل النظرى ايضا