طرف من التضاد وردّه إلى التوسط الذى لا ضد له جعلت تضرب إلى شبه بالأجسام السماوية ، فتستحق بذلك قبول قوة محيية من الجوهر المفارق المدبر.
ثم إذا ازدادت قربا من التوسط ازدادت قبول حياة حتى تبلغ الغاية التى لا يمكن أن يكون أقرب منها إلى التوسط ، ولا أهدم منها للطرفين المتضادين ، فتقبل جوهرا مقارب الشبه من وجه مّا للجوهر المفارق كما للجواهر السماوية ، فيكون حينئذ ما كان يحدث فى غيره من المفارق يحدث فيه من نفس هذا الجوهر المقبول المتصل به الجوهر.
ومثال هذا فى الطبيعيات : لنتوهم مكان الجوهر المفارق نارا أو شمسا ، ومكان البدن جرما يتأثر عن النار وليكن كرة ما (١) ، وليكن مكان النفس النباتية تسخينها إياها ، ومكان النفس الحيوانية إنارتها فيها ، ومكان النفس الإنسانية اشتعالها فيها نارا.
فنقول : إن ذلك الجرم المتأثر كالكرة (٢) ، إن كان ليس وضعه من ذلك المؤثر فيه وضعا يقبل الاشتعال منه نارا ولا إضائة وإنارة ، ولكن وضعا يقبل تسخينه لم يقبل غير ذلك. فإن كان وضعه وضعا يقبل تسخينه ، ومع ذلك هو مكشوف له أو مستشف أو على نسبة إليه يستنير بها عنه استنارة قوية ، فإنه يتسخّن عنه ويستضىء معا ، ويكون الضوء الواقع فيه منه هو مبدأ أيضا مع ذلك المفارق لتسخّنه. فإن الشمس إنما تسخن بالشعاع ، ثم إن كان الاستعداد أشد وهناك ما من شأنه أن يشتعل عن المؤثر الذى من
__________________
ـ ثم فى عدة مواضع من تمهيد القواعد لصائن الدين على بن تركة يبحث عن الاعتدال المذكور فى معرفة الانسان الكامل نافعة جدا فراجع.
(١ و ٢) « كوّة ما » ، « كالكوّة » كما فى نسخة مصحّحة.