فبالحرى أن نشتغل بإدراك ماهية هذا الشىء الذى صار بالاعتبار المقول نفسا (١).
ويجب أن نشير فى هذا الموضع إلى إثبات وجود النفس التى لنا إثباتا على سبيل التنبيه والتذكير إشارة شديدة الموقع عند من له قوة على ملاحظة الحق نفسه من غير احتياج إلى تثقيفه (٢) وقرع (٣) عصاه وصرفه عن المغلطات.
فنقول : يجب أن يتوهم الواحد منا كأنه خلق دفعة وخلق كاملا (٤) ، لكنه حجب بصره عن مشاهدة الخارجات ، وخلق يهوى (٥) فى هواء أو خلاء هويّا لا يصدمه فيه قوام الهواء صدما مّا يحوج إلى أن يحسّس ، وفرّق بين أعضائه (٦) فلم تتلاق ولم تتماس ، ثم يتأمل أنه هل يثبت وجود ذاته ولا يشك فى إثباته لذاته موجودا ولا يثبت مع ذلك طرفا من أعضائه ولا باطنا من أحشائه ولا قلبا ولا دماغا ولا شيئا من الأشياء من خارج.
__________________
(١) وفى تعليقة. اى باعتبار اضافته الى البدن يقال له نفس.
(٢) ثقف ككرم وفرح : صار حاذقا.
(٣) قال الجوهرى فى الصحاح : « وقولهم : « ان العصا قرعت لذى الحلم » ، اى انّ الحليم اذا نبّه انتبه واصله انّ حكما من حكام العرب عاش حتى اهتر ـ اى صار خرفا ـ فقال لا بنته اذا انكرت من فهمى شيئا عند الحكم فاقرعى لى المجّن بالعصا لارتدع » الصحاح ج ٤ ص ١٢٦١ مادة « قرع ». وفى القاموس : « لما طعن عامر فى السنّ او بلغ ثلاثمأة سنة انكر من عقله شيئا فقال لبنيه اذا رأيتمونى خرجت من كلامى واخذت فى غيره فاقرعوا لى المجّن بالعصاء » القاموس المحيط ج ٣ ص ٦٦ مادة « قرع ».
(٤) سيأتى هذا الدليل فى الفصل السابع من المقالة الخامسة من هذا الفن السادس.
(٥) اى يسقط فى الهواء كانّه معلق فيه.
(٦) وفى تعليقة : اى يكون منفرجة الاعضاء بحيث لا تتلامس اعضائه.