المؤلفة والروائح والطعوم المؤلفة ومن الرجاء والتمنى أمورا (١) لا تصيبها الحيوانات الأخرى ، لأن نور النطق (٢) كأنه فائض سائح (٣) على هذه القوى. وهذا التخيل أيضا الذى للإنسان قد صار موضوعا للنطق بعد ما أنه موضوع للوهم فى الحيوانات ، حتى أنه ينتفع به فى العلوم وصار ذكره أيضا نافعا فى العلوم كالتجارب التى تحصل (٤) بالذكر والأرصاد الجزئية وغير ذلك.
ونرجع إلى حديث الوهم. فنقول : إن من الواجب أن يبحث الباحث ويتأمل أن الوهم الذى لم يصحبه العقل حال توهمه كيف ينال المعانى التى هى فى المحسوسات عندما ينال الحس صورتها من غير أن يكون شىء من تلك المعانى يحس ومن غير أن يكون كثير منها مما ينفع ويضر فى تلك الحال.
فنقول : إن ذلك للوهم من وجوه : من ذلك الإلهامات الفائضة على الكل (٥) من الرحمة الإلهية ، مثل حال الطفل ساعة يولد فى تعلقه
__________________
(١) مفعول يصيب.
(٢) قوله : « لان نور النطلق ... » للشيخ فى المقام كلام آخر فى المجانسة يطلب فى الثانى من رابعة الهيات الشفاء ص ١١٧ ـ ط ١ ، رحلى.
(٣) سانح بالنون. نسخة.
(٤) يحفظه. نسخة.
(٥) قال الرازى : وهذه الالهامات يقف بها النفس على المعانى المخالطة للمحسوسات فيما يضر وينفع فالذئب يحذره كل شاة وان لم يره قط ولا وصلت اليها آفة. والفارة يحذر الهرة وكثير من الطيور يحذر جوارح الطير وان كانت ما رآها قبل ذلك.
فافعال الحيوانات تارة تكون على هذا الوجه وتارة بحسب التجربة فان الحيوان اذا نال لذة او الما مقارنين بصورة حسية ارتسم فى النفس صورة الشىء وصورة المقارن وما بينهما من النسبة فاذا وقع الاحساس باحد الشيئين شعرت النفس حينئذ بالمقارن