وإن الأنفس البشرية أشد مناسبة لتلك الجواهر الملكية منها للأجسام المحسوسة ، وليس هناك احتجاب ولا بخل ، إنما (١) الحجاب للقوابل إما لانغمارها فى الأجسام وإما لتدنسها بالأمور الجاذبة إلى الجنبة السافلة. وإذا وقع لها أدنى فراغ من هذه الأفعال حصل لها مطالعة لما ثمّ ، فيكون أولى ما تستثبته ما يتصل بذلك الإنسان أو بذويه أو ببلده أو بإقليمه. فلذلك أكثر الأحلام الذى تذكر تختص بالإنسان الذى حلم بها وبمن يليه ، ومن كانت همته المعقولات لا حت له. ومن كانت همته مصالح الناس رآها واهتدى إليها ، وكذلك على هذا القياس.
وليست الاحلام كلها صادقة ، او بحيث يجب أن يشتغل بها ، فإن القوة المتخيلة ليس كل محاكاتها إنما تكون لما يفيض على النفس من الملكوت ، بل أكثر ما يكون منها ذلك إنما يكون إذا كانت هذه القوة قد سكنت عن محاكاة أمور هى أقرب إليها.
والأمور التى هى أقرب إليها منها طبيعية ، ومنها إرادية.
فالطبيعية هى التى تكون من ممازجة قوى الأخلاط للروح التى تمتطيها (٢) القوة المصورة والمتخيلة ، فإنها أول شىء إنما تحكيها وتشتغل بها. وقد تحكى أيضا آلاما تكون فى البدن وأعراضا فيه ، مثل ما يكون عندما تتحرك القوة الدافعة للمنى إلى الدفع ، فإن المتخيلة حينئذ تحاكى صورا من شأن النفس أن تميل إلى مجامعتها ، ومن كان به جوع حكى له مأكولات ، ومن كان به حاجة إلى دفع فضل حكى له موضع ذلك ، ومن
__________________
(١) انّ ، نسخة.
(٢) امتطاه أى أخذه مطية. وفى منتهى الارب : امتطاء بارگى ساختن ستور را. وقد يذكر فى مواضع الكتاب ان الروح البخارية هى مطية اولى للنفس.