ويتفق كثيرا أن يكون ما يرى من الملكوت شيئا كالرأس وكالابتداء ، فيستولى التخيل على النفس استيلاء يصرفها عن استتمام ماتراه ، وتنتقل بعده انتقالا بعد انتقال لا تحاكى بتلك الانتقالات شيئا مما يرى من الملكوت ، إذ ذلك قد انقطع ، فيكون هذا ضربا من الرؤيا. إنما موضع العبارة منه شىء طفيف (١) وباقيه أضغاث أحلام (٢) ، فما كان من الرؤيا من الجنس الذى السلطان فيه للتخيل فإنه يحتاج إلى عبارة ضرورة.
وربما رأى الإنسان تعبير رؤياه فى رؤياه فيكون ذلك بالحقيقة تذكرا ، فإن القوة المفكرة كما أنها قد تنتقل أولا من الأصل إلى الحكاية لمناسبة بينهما ، كذلك لا يبعد أن تنتقل عن الحكاية إلى الأصل.
فكثيرا ما يعرض لها أن تتخيل (٣) فعلها ذلك مرة أخرى فيرى (٤) كأن مخاطبا يخاطبه بذلك ، وكثيرا مّا لم يكن كذلك ، بل كان كأنها تعاين الشىء معاينة صحيحة من غير أن تكون النفس اتصلت بالملكوت ، بل تكون محاكاة من المتخيلة للمحاكاة فترجع إلى الأصل.
وهذا الضرب من الرؤيا الصحيح قد يقع عن التخيل من غير معونة
__________________
(١) بمعنى القليل والغير التام.
(٢) فى تعليقة نسخة : الضغث : قبضة حشيش مختلطة الرطب باليابس واضعاث الاحلام الرؤيا التى لا يصح تأويلها لاختلاطها. والحشيش ما يبس من الكلأ قال الجوهرى ولا يقال له حشيش اذا كان رطبا.
والحلم بالضم واحد الاحلام فى النوم وحقيقته على ما قيل ان الله يخلق باسباب مختلفة فى الاذهان عند النوم صورا علمية منها مطابق لما مضى ولما يستقبل ومنها غير مطابق.
(٣) اى يكون الرجوع الى الاصل ايضا على سبيل التمثيل والحكاية من جنس الالفاظ.
(٤) فيرى كان مخاطبا يخاطبها بذلك ، نسخة.