الّذي يحكم الشرع
والعقل بامتناعه هو نسبة المجيء إليه سبحانه بالإرادة الجدّية لا الاستعمالية ،
ولهذا لو ذكر هذا المحذوف وقيل : جاء أمر ربك ، فقد من الكلام جانب من حسنه ، ولم
يناسب عطف الملك عليه.
والظاهر أن أكثر
الألفاظ التي ورد في الشرع إطلاقها عليه تعالى ممّا لا يليق بمقدّس ذاته من هذا
القبيل ، وما وقعت المجسّمة والمشبّهة فيما وقعوا فيه ، إلاّ لجهلهم بالفرق بين
الإرادتين.
وكذلك سؤال القرية
فإنّ سؤال الجماد محال واقعا لا استعمالا ، ولا زالت العرب تخاطب الربوع والديار ، وتكثر من سؤال الأطلال والآثار وهي قفر
ليس فيها ديار ، والقرآن الكريم نزل على محاورات العرب ، فإذا كان هذا دأبهم في
موارد لا يمكن فيها تقدير الإرادة الجدّية والسؤال الحقيقي ، فكيف في هذه الآية
وما يجري مجراها ، والقرية مأهولة عامرة! نعم في مثل جرى النهر والميزاب يحتمل كلّ
من الحذف والاستعمال على هذا النمط ، والثاني هو الأولى ، وأما احتمال المجاز في
الكلمة بأن يكون المراد من النهر والميزاب الماء بعلاقة الحالّ والمحلّ فقبيح لا
يقبله الذوق الصحيح.
هذا ، والوجه في
عدّ هذا الباب من أقسام المجاز لا يخلو عن خفاء ، إذ ليس فيه استعمال في غير ما
وضع له لأنّ المفروض في قوله تعالى : ( وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ
) أنّ المفردات
مستعملة في معانيها ، وإلاّ كان المجاز في المفرد ، وكذلك المركّب ـ على القول
بالوضع له ـ وإلاّ كان المجاز فيه ، وهكذا النسبة وإلاّ كان المجاز فيها ، فإذن لا
فرق بينه وبين سائر الكلام إلاّ حذف بعض ألفاظ الجملة ،
__________________