وبعد إتيانها يتعلّق بالمقدّمة التي بعدها ، وهكذا حتى يستوفي المكلّف جميع المقدّمات الممكنة ، ويأتي بالجزء الأخير من العلّة التامة التي يكون الفعل بعده واجبا.
ولمثل هذه الشبهة ذهب من ذهب إلى أنّ الأمر بالمسبّبات لا بدّ من إرجاعها إلى الأسباب ، لأن المقدور ليس إلاّ السبب ، بل والمسبّب ليس من فعل الإنسان ، فالحرق والغرق مثلا من فعل النار والماء ، وإنما يكون من فعله الإلقاء مثلا.
والجواب (١) أنه ليس مرجع قولهم : المقدور بالواسطة مقدور. إلى ما ذكره ، بل إلى أنّ الشيء مقدور بمقدوريّة واسطته ، والمسبّب فعل الإنسان بنفس كون أسبابه من فعله ، وإلاّ لسرت الشبهة حتى إلى جلّ الأسباب ، بل كلّها ، فتأمل (٢).
( الدليل على وجوب المقدّمة )
قد استدلّوا على وجوب المقدمة بوجوه : أقواها : الوجدان ، وعليه اعتمد مشايخنا القائلون بوجوبها.
وتقريره : أنّ المنصف إذا رجع وجدانه رأى من نفسه الملازمة بين طلب الشيء وطلب مقدّماته ، ووجد أيضا حالة نفسانية طلبية نحوها مترشّحة عن طلب ذيها ، ولا ينافي ذلك غفلة الآمر عن كثير من المقدّمات حال الأمر ، أو عدم
__________________
(١) قوله : والجواب ـ إلى قوله ـ بمقدوريّة واسطته ، جواب عمّا بيّن به الاحتمال الثالث ، وقوله : والمسبّب ـ إلى قوله ـ بل كلّها. جواب عمّا استدلّ به على أنّ الأمر بالمسبّبات لا بدّ من إرجاعه إلى الأسباب ، لكن جميع ما استدلّ به عليه ، بل خصوص قوله : « بل والمسبّب ليس من فعل الإنسان » إلى آخره ، فتأمل.
( مجد الدين ).
(٢) إشارة إلى عدم صلاحية هذا الاعتراض لإبطال مذهبه لإمكان التزامه به بل ظاهر كلامه ، بل صريح مرامه التزامه بذلك فتدبّر. ( مجد الدين ).