وذهب الفخر الرازي إلى القول بأن هذا التعليم كان بواسطة جبريل واستحسن قول من قال به ، إذ أن جبريل عليهالسلام علّمه عمل السفينة ووصف له كيفية اتخاذها (١) ، وهو يميل هنا إلى تفسير قوله تعالى : ( أَعْيُنِنَا ) أن معناه : الوسائل التي ألقى بها تعالى علم صنع السفينة إلى نوح عليهالسلام وهو جبريل عليهالسلام.
وهذا ما أيده السيد الطباطبائي من المحدثين ، فقد استفاد من الأعيُن في الآية قرينة على أن معنى الوحي المذكور فيها هو وحي في مقام العمل وهو تسديد وهداية عملية بتأييده بروح القدس الذي يشير عليه أن أفعل كذا ولا تفعل كذا (٢) وهذا أمر يختلف عن تبليغ الرسالة.
وهناك ما يؤيد ما ذهب إليه الرازي والطباطبائي فيما استفاده الشريف الرضي أبو الحسن محمد بن الحسين ( ت / ٤٠٦ هـ ، ١٠١٥م ) من استعمال الأعين في الآية بأنّه استعارة بلاغية ، فلا يراد بها حقيقة الأعيُن ، وهو كما في الآية الأخرى قوله تعالى : ( ... وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِي ) (٣) ، ( فليس هناك عيناً تلحظ وإنّما ذلك كقول القائل : « إنا بعين الله » أي بمكان من حفظ الله ) (٤).
وفسر الشريف الرضي أيضاً ـ وأيده الشيخ الطوسي والعلّامة الطبرسي والزمخشري ـ هذا الحفظ بأنه يكون عن طريق الملائكة الذي يحفظونه
________________
(١) مفاتيح الغيب ٢٣ : ٩٤.
(٢) الميزان ١٠ : ٢٢٣.
(٣) سورة طه : ٢٠ / ٣٩.
(٤) تلخيص البيان في مجازات القرآن : ٧٥ ، مطبعة المعارف ـ بغداد ( ١٣٧٥ هـ ، ١٩٥٥م ).