والقرب إلى المعاني المادية وجعلهما مرتبطين بمكان بين السماوات واستماع لصريف القلم ، والمناجاة والقرب في حقيقة الأمر هنا تعبير عن الاختصاص الذي أنعم به على موسى عليهالسلام فقُرِّب ونُوجِيَ بأن خُصَّ من دون البشر باستماع الكلام. وإلّا فلو كان الأمر صعوداً إلى سماوات واستماع لصريف قلم لكان ذلك معراجاً إلى السماء وليس في الآيات ظاهرها ولا باطنها ما يدل على مثل ذلك ، فلزم أن يكون ذلك مفهوماً منه معنى الاختصاص بسماع الكلام.
وهذه الصورة هي التي عبّرت عنها آية الشورى بقوله تعالى : ( .. أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ ) (١).
تفترق هذه الصورة إذن عن سابقتيها بوساطة الرسول الذي يوحي بإذنه تعالى بما يكلم به عباده. هذا هو المدلول العام للآية فهي لم تتطرق إلى حقيقة هذا الرسول ، إن كان يراد به الرسول البشري ، أم الرسول الملكي.
وفي حدود الآية المذكورة اختار الشيخ الطوسي : أنه الرسول البشري الذي يكون الواسطة بينه تعالى وبين المكلّفين ، فإضافة إلى الوحي بالكلام من وراء حجاب والوحي الذي يأتي به الملك قال الشيخ الطوسي : إنَّ منه ما يكون ( بتأدية الرسول إلى المكلّفين من الناس ) (٢) ، واختاره القرطبي المالكي والزمخشري أيضاً (٣).
ومما يجب أن يقال هنا : إن كل رسول ونبي أُرسل إلى أمة من الأمم يمكن
________________
(١) سورة الشورى : ٤٢ / ٥١.
(٢) التبيان ٩ : ١٧٧.
(٣) جامع أحكام القرآن ١٦ : ٥٤ ، والكشاف ٣ : ٤٧٥.