ثم إن الحمل تارة يكون حملا أوليّا ذاتيّا ـ وهو ما يكون الاتحاد فيه بين المحمول والموضوع في المفهوم ـ وتارة يكون الحمل حملا شايعا صناعيا ـ وهو ما يكون الاتحاد فيه بين المحمول والموضوع في الوجود.
فإن صحّ الحمل الأول فهذا يعني أن اللفظ حقيقة في المعنى المحمول عليه ، وإن صحّ الحمل الشايع الصناعي فهذا يعني أن معنى اللفظ مصداق للمعنى المحمول عليه.
ومثال الأول « الأسد حيوان مفترس » ، فإن الحمل فيه حمل أولي ؛ لأن الاتحاد بينهما في المفهوم ، إذ أنّ مفهوم الأسد متّحد مع مفهوم الحيوان المفترس ، ومع صحّة الحمل يكون الأسد حقيقة في الحيوان المفترس المحمول على الأسد.
ومثال الثاني « النرجسة وردة » ، فإنّ الحمل فيها حمل شايع صناعي ؛ لأن الاتحاد بينهما إنما هو في الوجود ، إذ أن مفهوم « النرجسة » غير مفهوم « الوردة » إلا أن « النرجسة » متّحدة وجودا وخارجا مع « الوردة ». ومع صحّة هذا الحمل تكون النرجسة مصداقا لعنوان الوردة المحمول على النرجسة.
إذا اتّضح هذا فنقول : إن صحّة الحمل ليس علامة على الحقيقة ، وغاية ما يكشف عنه صحّة الحمل هو صحّة استعمال اللفظ في المعنى الذي يصحّ حمله على اللفظ ، وصحة الاستعمال ناشئة عن وجود نحو دلالة للفظ على المعنى ، أمّا ما هو واقع هذه الدلالة؟ وهل هي ناشئة عن الوضع أو أنها ناشئة عن مشابهة المعنى الموضوع له اللفظ للمعنى المستعمل فيه اللفظ؟