وبهذا يتّضح أن مناسبات الحكم والموضوع تنشأ عن قرائن خاصّة إلا أنها ليست من قبيل القرائن اللفظية بل هي من قبيل القرائن الحاليّة أو المقاميّة.
ولمزيد من التوضيح نذكر بعض التطبيقات :
التطبيق الأوّل : لو قال المولى « اغسل ثوبك من دم ذي النفس السائلة » ، فإنّ العرف يلغي خصوصيّة الثوب ويرى أنّ الحكم بالنجاسة ثابت لمطلق الملاقي للدم ، وإنما ذكرت الثوب لغرض التمثيل لمطلق الملاقي للدم.
وهذا التعميم المستظهر عرفا من المثال نشأ عن مناسبات الحكم والموضوع ، فإنّ المثال وإن لم يصرّح فيه بالحيثيّة الملحوظة في الموضوع حين جعل الحكم عليه إلاّ أنّ استبعاد العرف وجود خصوصيّة للموضوع المذكور في الخطاب أوجب استظهار كون الحيثيّة المذكورة في الموضوع المذكور هي التمثيل.
ومنشأ استظهار المثاليّة واستبعاد الخصوصيّة هو ظهور الخطاب في أنّ الأثر الشرعي للدم هو التنجيس وإذا كان كذلك فأيّ فرق بين الثوب وبين سائر ما يلاقيه الدم.
التطبيق الثاني : قوله تعالى : ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ ) (١) فإنّ العرف يفهم من الحرمة الثابتة للميتة هي حرمة أكلها.
ومنشأ فهم العرف اختصاص الحرمة بالأكل هي مناسبات الحكم
__________________
(١) سورة المائدة : آية ٣