الثاني : الوضع التعيّني : وهو ما يكون تحقّقه إتفاقيّا بحيث يكون ناشئا عن كثرة استعمال لفظ في معنى فينتج عن هذه الكثرة في الاستعمال أنس ذهني يوجب الانتقال من اللفظ إلى المعنى.
وهنا تظهر ثمرة ـ بين نظرية القرن الأكيد وبين نظريّتي الاعتبار والتعهّد ـ وهي أنّه بناء على نظرية القرن الأكيد يمكن تبرير القسم الثاني من قسمي الوضع ؛ وذلك لأننا قلنا إنّ القرن الأكيد هو عبارة عن ربط يحدثه ذهن الإنسان ـ بمقتضى طبعه وتكوينه ـ بين اللفظ والمعنى ، وهذا الربط الذهني يكون ناشئا عن اقتران خارجي أيّا كانت طبيعة هذا الاقتران ، فإذا كان كذلك فمن الواضح أنّ كثرة استعمال لفظ في معنى نوع اقتران خارجي بين اللفظ والمعنى ، هذا الاقتران الخارجي يوجب نشوء ارتباط في الذهن بين اللفظ والمعنى وبه تكون كثرة الاستعمال موجبة للوضع التعيّني بناء على نظريّة القرن الأكيد.
وأمّا بناء على نظريّتي الاعتبار والتعهّد فلا يتعقّل فيهما الوضع التعيّني إذ الاعتبار متقوّم ببذل العناية المخصوصة والمقصودة لغرض جعل اللفظ دالا على المعنى في حين أنّ كثرة الاستعمال عملية عفويّة لم يتصدّ أحد لإيجادها ، فلا اعتبار ولا معتبر.
وكذلك الكلام في التعهّد إذ هو متقوّم بالتباني النفساني على أن لا يأتي باللفظ إلاّ أن يقصد تفهيم المعنى ، فإذن هو متقوّم بوجود تعهّد ومتعهّد ، وكثرة الاستعمال ليست إلاّ عملية اتفاقية ، بل إنّه بناء على التعهّد لا يوجد استعمال إلاّ بتعهّد مسبق ولا يشذ عن ذلك أحد كما اتضح مما تقدّم.