خياليّ وشيطانيّ (١) ، ولذا قال بعضهم : إنّ الحقّ من المكاشفات ما يصدّقه البرهان العقلي. وقد عرفت حال البراهين التي أقاموها على التوحيد بالمعنى المذكور.
فما هذه حاله كيف يجوز للعاقل أن يستند إليه في مهمّات الأمور؟! ( وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ ) (٢).
كلام لملا صدرا في بيان مقصود العرفاء الشامخين ، أراد به تنزيههم عمّا قاله جهلة الصوفية ، من إنكار التحقق بالفعل للذات الأحدية المنعوتة عندهم بمقام الأحدية وغيب الغيوب ، وقولهم : المتحقق هي الوجودات المتعينة. أورده في المجلد الثاني من الأسفار : ٣٤٥. فقال :
وهم وتنبيه : إنّ بعض الجهلة من المتصوفين المقلّدين الذين لم يحصّلوا طريق العلماء العرفاء ولم يبلغوا مقام العرفان ، توهّموا ـ لضعف عقولهم ووهن عقيدتهم وغلبة سلطان الوهم على نفوسهم ـ أن لا تحقق بالفعل للذات الأحدية المنعوتة بألسنة العرفاء بمقام الأحدية وغيب الهويّة وغيب الغيوب مجردة عن المظاهر والمجالي ، بل المتحقق هو عالم الصورة وقواها الروحانية والحسية ، والله هو الظاهر المجموع لا بدونه ـ وهو حقيقة الإنسان الكبير والكتاب المبين الذي هذا الإنسان الصغير أنموذج ونسخة مختصرة عنه ـ وذلك القول كفر فضيح وزندقة صرفة لا يتفوّه به من له أدنى مرتبة من العلم. ونسبة هذا الأمر إلى أكابر الصوفية ورؤسائهم افتراء محض وإفك عظيم ، يتحاشى عنه أسرارهم وضمائرهم. ولا يبعد أن يكون سبب ظن الجهلة بهؤلاء الأكابر إطلاق الوجود تارة على ذات الحق ، وتارة على المطلق الشامل ، وتارة على المعنى العام العقلي ، فإنهم كثيرا ما يطلقون الوجود على المعنى الظلي الكوني ، فيحملونه على مراتب التعينات والوجودات الخاصة فيجري عليه أحكامها ، انتهى.
أقول : تكفيره إياهم بذلك المقال حق ، إلاّ أنّ ما فرق به بين قول الشامخين وقول جهلة الصوفية لا يجدي في إخراج مقال الشامخين عن الفساد عقلا وفطرة ونقلا بالنقل
__________________
(١) شرح الفصوص ١ : ٨١ ، ٩٣.
(٢) النور ٤٠.