وجعل ذلك البدن بمنزلة المركب والآلة للروح يعمل بها الأعمال المناسبة لعالم الدنيا ، وفي بعض الأخبار تمثيلهما بالمقعد والأعمى.
وتظهر المغايرة والمباينة بينهما بملاحظة حال النوم ، فإنّه وإن لم يعلم حقيقة العالم الذي هو فيه ، والمرئيّات التي يراها فيه ، إلاّ أنّه لا يشكّ في أنّ الرائي فيه هو نفسه أي شخصه المعبّر عنه بالروح ، كما لا يشكّ أنّ الرائي في اليقظة أيضا هو نفسه وشخصه الوارد في البدن ، ويجد أنّه غير هذا الجسد الملقى على وجه الأرض.
ويحتمل قويّا كون هذا العالم في باطن هذا القضاء الواقع بين الأرض والسماء المسانخ للروح في الجسمية واللطافة ، كما هو ظاهر غير واحد من الروايات المتقدّمة في بعض التنبيهات السابقة. ويمكن تنظيره بالكهرباء والأشعّة المخفيّة النافذة في الهواء ، وفي سائر الأجسام اللطيفة والغليظة محجوبة عن الإنسان سوى ما يراه منها. وبالجملة : لم يثبت كون المرئيّ في النوم صورة محضة كما توهّم ، نظير توهّم كون الرائي والمرئي في البرزخ مجرّد صورة بلا مادّة.
فصل : في أحوال الروح في البرزخ
وهو ما بين الموت ويوم القيامة :
لا إشكال في حياة الروح في البرزخ ، ويدلّ عليه من الآيات المباركات :
قوله تعالى : ( حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ. لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) (١).
( وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ ) (٢).
( وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ. فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ
__________________
(١) المؤمنون ٩٩ ، ١٠٠.
(٢) البقرة ١٥٤.