بعد صيرورتها حيّة بنور الحياة؟ أو كانت وهي ميّتة كامنة في تلك الأبدان؟ كما هو المحتمل من قوله عليهالسلام : وفيها الروح القديمة ، وأنّه بها تتحوّل النطفة علقة ومضغة ، فعليه يكون الذي ينفخ فيه في رأس الأربعة أشهر روح الحياة المجرّدة عن المادّة وأوصافها ، أو كان بعضها من قبيل الأول وبعضها من قبيل آخر؟
نعم في الزيارة : أشهد أنّك كنت نورا في الأصلاب الشامخة والأرحام المطهرة (١) ، وفي دعاء يوم عرفة لأبي عبد الله الحسين صلوات الله عليه : خلقتني من التراب ، ثمّ أسكنتني الأصلاب ، آمنا لريب المنون واختلاف الدهور والسنين ، فلم أزل ظاعنا من صلب إلى رحم في تقادم من الأيّام الماضية والقرون الخالية ، لم تخرجني لرأفتك بي وإحسانك إليّ في دولة أئمّة الكفر الذين نقضوا عهدك وكذّبوا رسلك ... (٢).
بل في رواية الكافي والعلل بسند هما عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليهالسلام ، قال : لمّا أمر إبراهيم وإسماعيل عليهماالسلام ببناء البيت وتمّ بناؤه ... نادى : هلمّ الحجّ ، فلبّى الناس في أصلاب الرجال : لبّيك داعي الله ، لبّيك داعي الله عزّ وجلّ ، فمن لبّى عشرا يحجّ عشرا ، ومن لبّي خمسا يحجّ خمسا ، ومن لبّى أكثر من ذلك فبعدد ذلك ، ومن لبّى واحدا حجّ واحدا ، ومن لم يلبّ لم يحجّ (٣).
التنبيه السابع عشر : علاقة الروح بالبدن
ظهر مما ذكرنا أنّ الطفل الخارج من بطن أمّه مركّب من روح مخلوقة قبل الأبدان ، كما في الرواية : خلق الأرواح قبل الأبدان بألفي عام ، ومن بدن مركّب من بدن صغير في غاية الصغر متشخّص ثابت من أوّل خلقته في الذرّ الأوّل ـ وكان هو الحافظ للوحدة والشخصيّة في جميع الأطوار والأزمان ـ ومن أجزاء متبدّلة ، كما هو المشهود. ودعوى تبدّل أجزاء البدن بأسرها في كلّ أربعين يوما أو أزيد مجازفة خالية عن الدليل.
وقد أعمل في هذا البدن المركّب من اللطائف والدقائق ما حيّر عقول ذوي الألباب.
__________________
(١) انظر البحار ١٠٠ : ١٨٧ ، ٢٠٣ ، مفاتيح الجنان في زيارة الحسين عليهالسلام المعروفة بـ « زيارة وارث ».
(٢) الإقبال : ٣٤٠ ، البحار ٩٨ : ٢١٦.
(٣) الكافي ٤ : ٢٠٦ ، علل الشرائع : ٤١٩ ، الوسائل ١١ : ١٠ ـ الباب ١ من أبواب الحجّ ، الحديث ٩.