وممّا ذكرنا يظهر قوّة احتمال كون المراد من قوله تعالى : ( وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ ) (١) ـ بناء على كون المراد من العرش هو نور العلم ، كما هو أحد معاني العرش على ما يظهر من بعض الروايات (٢) ـ أنّه لم يكن بعد خلقة الماء موجود يكون حاملا لنور الحياة والعلم سوى تلك المادّة الواحدة بما لها من البساطة ، أي قبل التعين بصورة أرض أو سماء أو غير هما من المخلوقات.
ويدلّ عليه ما رواه في الكافي بسنده عن داود الرقّي قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن قول الله عزّ وجلّ : ( وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ ) ، فقال عليهالسلام : ... إن الله حمّل دينه وعلمه الماء قبل أن تكون أرض أو سماء أو جنّ أو إنس أو شمس أو قمر ، فلمّا أراد أن يخلق الخلق نثرهم بين يديه فقال لهم : من ربّكم؟ فأوّل من نطق رسول الله صلىاللهعليهوآله وأمير المؤمنين والأئمّة عليهمالسلام فقالوا : أنت ربّنا ، فحمّلهم العلم والدين ... (٣).
ويصلح كلّ جزء من تلك المادّة لتحميل نور الحياة والعلم والقدرة إيّاه ، ولعرض المطالب والتكاليف المناسبة له عليه ، ولأخذ العهد والميثاق منه ، ولصدور الطاعة والعصيان عنه. سواء تعيّن بصورة خاصّة أو بعروض عرض عليه أم لم يتعيّن ، بل هو دائر مدار مشيئة الله تعالى. وما يشاهد من العلل والأسباب العاديّة ، فإنّها سنة أجراها الله بقدرته واختياره ، وله تبديلها بأخرى ، كما تشهد عليه شهادة الأيدي والأرجل والجلود والأمكنة وغيرها يوم القيامة بما يكتسب الإنسان بها وفيها من الطاعة والعصيان ، على ما نطقت به الآيات المباركة (٤) ، والروايات الواردة عن السادة الأطياب صلوات الله عليهم (٥) ، وشهادة الحيوان والنبات والجماد على نبوّة نبيّنا صلىاللهعليهوآله (٦) ، وأذكار أصناف من الحيوانات (٧) ، وظاهر قوله تعالى : ( وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ
__________________
(١) هود : ٧.
(٢) البحار ٥٥ : الباب ١ ، وتقدّم بعض رواياته في ص ٢٦.
(٣) الكافي ١ : ١٣٢ ، البحار ٥٧ : ٩٥.
(٤) النور : ٢٤ ، يس : ٦٥ ، فصّلت : ٢٠.
(٥) البحار ٧ : ٣٠٦ ، الباب ١٦.
(٦) البحار ١٧ : الباب ٢ ، ٤ ، ٥.
(٧) راجع كلمه طيبة للنوريّ : ٢٨٦.