الرحمن ، فأقرّوا له بالطاعة والربوبية. وميّز الرسل والأنبياء والأوصياء ، وأمر الخلق بطاعتهم ، فأقرّوا له بذلك في الميثاق ، فقالت الملائكة عند إقرارهم بذلك : شهدنا عليكم يا بني آدم أن تقولوا يوم القيامة : إنّا كنا عن هذا غافلين (١).
ورواية أبي بصير قال : قلت لأبي عبد الله صلوات الله عليه : كيف أجابوا وهم ذرّ؟ قال : جعل فيهم ما إذا سألهم أجابوه ـ يعني في الميثاق (٢).
قال العلاّمة المجلسيّ قدسسره : أي تعلقت الأرواح بتلك الذرّ فجعل فيهم العقل وآلة السمع وآلة النطق ، حتى فهموا الخطاب وأجابوا وهم ذرّ (٣) ... انتهى.
وفي رواية عبد الله الفضل الهاشمي ، قال : قلت لأبي عبد الله صلوات الله عليه : لأيّ علة جعل الله الأرواح في الأبدان بعد كونها في ملكوته الأعلى في أرفع محل؟ فقال عليهالسلام إنّ الله تبارك وتعالى علم أنّ الأرواح في شرفها وعلوّها متى ما تركت على حالها نزع أكثرها إلى دعوى الربوبيّة دونه عزّ وجلّ ، فجعلها بقدرته في الأبدان التي قدّر لها في ابتداء التقدير ، نظرا لها ورحمة بها ، وأحوج بعضها إلى بعض ، وعلّق بعضها على بعض ، ورفع بعضها على بعض ، ورفع بعضها فوق بعض درجات ، وكفى بعضها ببعض ، وبعث إليهم رسله ، واتّخذ عليهم حججه مبشّرين ومنذرين ، يأمرون بتعاطي العبودية والتواضع لمعبودهم بالأنواع التي تعبّدهم بها ، ونصب لهم عقوبات في العاجل وعقوبات في الآجل ، ومثوبات في العاجل ومثوبات في الآجل ، ليرغّبهم بذلك في الخير ويزهّدهم في الشرّ ، وليذلّهم بطلب المعاش والمكاسب ، فيعلموا بذلك أنّهم بها مربوبون ، وعباد مخلوقون ، ويقبلوا على عبادته فيستحقّوا بذلك نعيم الأبد وجنّة الخلد ، ويأمنوا من النزوع إلى ما ليس لهم بحقّ. ثم قال عليهالسلام : يا ابن الفضل إنّ الله تبارك وتعالى أحسن نظرا لعباده منهم لأنفسهم. ألا ترى أنّك لا ترى فيهم إلاّ محبّا للعلوّ على غيره ، حتى إنّه يكون منهم من قد نزع إلى دعوى الربوبية ، ومنهم من نزع إلى دعوى النبوة بغير حقها ،
__________________
(١) البحار ٥ : ٢٥٨ ، عن العيّاشيّ.
(٢) البحار ٥ : ٢٥٧ ، عن العيّاشيّ.
(٣) البحار ٥ : ٢٥٧.