ذكرنا ، بل هو مدّع ، لأنّ الحجّة الفعليّة مع المحتال وهي اليد ، وأمّا لو كان قبل القبض فلا يد للمحتال على المال ، فيرجع النزاع إلى مفاد قوله « أحلت » ، وقد سبق أنّه أعرف بمفاد لفظه وقصده ، فيكون القول قول المحيل قطعا.
وفيه أوّلا : ما عرفت من أنّ ظهور قوله « أحلت » في الحوالة حجّة وأمارة على أنّ المنشأ حوالة ، فمدّعى الحوالة هو الذي قوله موافق للحجة الفعليّة ولا فرق في ذلك بين أن يكون دعواه قبل القبض أو بعده ، فلا تصل النوبة إلى أنّه مالك من جهة يده عليه ، واليد أمارة الملكيّة ، فتكون قول المحيل من قبيل دعوى الأجنبي على المالك ذي اليد الذي هو المحتال هاهنا ، فيكون القول قول المحتال.
وثانيا : محطّ الدعوى ومصبّها هو أنّ المنشأ حوالة أم وكالة ، والقبض وعدمه أجنبي عن هذا المقام ، وفيه لا بدّ من إتيان الدليل على أنّ أيّ واحد منهما هو المنشأ ، ومعلوم أنّ ظهور لفظ يعيّن أنّ المنشأ هي الحوالة لا الوكالة.
الصورة الثالثة : عكس هذا الفرض ، وهو أن يدّعى المحيل الحوالة ويدّعى المحتال الوكالة.
وقال في الشرائع : القول قول المحتال (١).
ولكن يرد عليه : أنّه بناء على ما اختاره في الفرض الأوّل أنّه أعرف بلفظه وقصده وقال : إنّ القول قول المحيل ، مع أنّ المحيل هناك ادّعى إرادة الوكالة عن لفظ الحوالة وهاهنا يدّعى إرادة الحوالة من لفظ الحوالة ، فإذا صدق هناك لأنّه أعرف بما أراد فهاهنا لا بدّ أن يصدق بطريق أولى ، لأنّه هناك يدّعى إرادة خلاف الظاهر وهاهنا يدّعى إرادة ما هو ظاهر اللفظ ، ودعواه هاهنا على طريقة العرف والعقلاء وهناك على خلاف طريقتهم.
__________________
(١) « شرائع الإسلام » ج ٢ ، ص ١١٤.