بالسحر ، كيف والسحر كفر بالله وتصرف في الكون على خلاف ما وضع الله العادة عليه وأظهره على خيال الموجودات الحية وحواسها ؟ ولم يكفر سليمان عليهالسلام وهو نبي معصوم ، وهو قوله تعالى : ( وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر ) وقوله تعالى : ( ولقد علموا لمن إشتريه ما له في الآخرة من خلاق ) فسليمان عليهالسلام أعلى كعبا وأقدس ساحة من أن ينسب إليه السحر والكفر وقد استعظم الله قدره في مواضع من كلامه في عدة من السور المكية النازلة قبل هذه السورة كسورة الانعام والانبياء والنمل وسورة (ص) وفيها أنه كان عبدا صالحا ونبيا مرسلا آتاه الله العلم والحكمة ووهب له من الملك ما لا ينبغي لاحد من بعده فلم يكن بساحر بل هو من القصص الخرافية والاساطير التي وضعتها الشياطين وتلوها وقرؤها على أوليائهم من الانس وكفروا بإضلالهم الناس بتعليم السحر. ورد عليهم القرآن في الملكين ببابل هاروت وماروت بأنه وإن انزل عليهما ذلك ولا ضير في ذلك لانه فتنة وامتحان إلهي كما ألهم قلوب بني آدم وجوه الشر والفساد فتنة وامتحانا وهو من القدر ، فهما وإن أنزل عليهما السحر إلا أنهما ما كانا يعلمان من أحد إلا ويقولان له إنما نحن فتنة فلا تكفر باستعمال ما تتعلمه من السحر في غير مورده كإبطال السحر والكشف عن بغي أهله وهم مع ذلك يتعلمون منهما ما يفسدون به اصلح ما وضعه الله في الطبيعة والعادة ، فيفرقون به بين المرء وزوجه إبتغاءا للشر والفساد ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم فقوله تعالى : واتبعوا أي اتبعت اليهود الذين بعد عهد سليمان بتوارث الخلف عن السلف ما تتلوا ، أي تضع وتكذب الشياطين من الجن على ملك سليمان والدليل على أن تتلوا بمعنى تكذب تعديه بعلى وعلى أن الشياطين هم الجن كون هؤلاء تحت تسخير سليمان ومعذبين بعذابه ، وبذلك كان عليهالسلام يحبسهم عن الافساد ، قال تعالى : ( ومن الشياطين من يغوصون له ويعملون عملا دون ذلك وكنا لهم حافظين ) الانبياء ـ ٨٢ ، وقال تعالى : ( فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين ) السبأ ـ ١٤
قوله تعالى : وما كفر سليمان ، أي والحال أن سليمان لم يسحر حتى يكفر ولكن الشياطين كفروا ، والحال انهم يضلون الناس ويعلمونهم السحر.
قوله تعالى : وما أنزل ، أي واتبعت اليهود ما انزل بالاخطار والالهام على