لبعد تحصيل الإجماع في مثل هذه المسألة ، مما يمكن أن يكون القول فيه لأجل كونه من الأمور الفطرية الارتكازية ، والمنقول منه غير حجة في مثلها ، ولو قيل بحجيتها في غيرها ، لوهنه بذلك.
ومنه قد انقدح إمكان القدح في دعوى كونه من ضروريات الدين ، لاحتمال
______________________________________________________
الواقعيّ لاستحقّ العقاب على تلك المخالفة ، بخلاف ما إذا لم يكن تركهما موجبا لذلك ، كما إذا عمل حين العمل برجاء أنّه الواقع ، ثمّ علم بعده أنّه مطابق لفتوى من يجب عليه التعلّم منه ، فإنّ الأمن وعدم استحقاق العقاب الحاصل بهذا الإحراز كاف في نظر العقل ، وليس وجوب التعلّم قبل العمل كسائر التكاليف النفسيّة على ما تقدّم.
وأمّا ما ذكره جمع من العلماء من اعتبار العمل بفتوى المجتهد حال حياته في جواز البقاء على تقليده بعد موته ، وما ذكروه من عدم جواز العدول عن الحيّ إلى حيّ آخر مع العمل بفتوى الأوّل وجوازه بدونه لا يقتضى كون التقليد هو نفس العمل ، فإنّ المتّبع في جواز الأول وعدم الجواز في الثاني ملاحظة الدليل فيهما ليؤخذ بمقتضاه ؛ ولذا اعتبر في الجواز وعدمه العمل فيهما من يرى التقليد هو الالتزام بالعمل أو التعلّم للعمل.
يقع الكلام في جواز التقليد في طريق إحراز العاميّ جوازه بنظره ، ليمكن له التقليد ، وفي جوازه للعاميّ بنظر المجتهد ، وقد ذكر الماتن قدسسره أنّ جوازه في الجملة أي الفرعيّات ـ مع ملاحظة الأوصاف المعتبرة في المجتهد أو المحتملة اعتبارها ـ من الأوّليات التي تكون فطريّة لكلّ إنسان يعلم بثبوت الأحكام والوظائف الشرعيّة في الوقائع التي يبتلى بها أو يحتمل الابتلاء بها ، ولأجل كون هذا فطريّا جبليّا يجده كلّ عاميّ من نفسه ، ولا يحتاج فيه إلى دليل يوجب علمه بجوازه ، ولو كان علم العاميّ بجوازه موقوفا على الدليل على إحرازه جوازه لانسدّ باب العلم بجوازه عليه