الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) (٦) بيان للشيطان الموسوس أنه جني وإنسي ، كقوله تعالى : (شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِ) أو من الجنة بيان له ، والناس عطف على الوسواس ، وعلى كل يشمل شر لبيد وبناته المذكورين ، واعترض الأول بأن الناس لا يوسوس في صدورهم الناس ، إنما يوسوس في صدورهم الجن ، وأجيب : بأن الناس يوسوسون أيضا بمعنى يليق بهم في الظاهر ، ثم تصل وسوستهم إلى القلب وتثبت فيه بالطريق المؤدي إلى ذلك ، والله تعالى أعلم.
____________________________________
السلف : أن المؤمن يفني شيطانه ، كما يفني الرجل بعيره في السفر. قال قتادة : (الْخَنَّاسِ) له خرطوم كخرطوم الكلب ، وقيل : كخرطوم الخنزير في صدر الإنسان ، فإذا ذكر العبد ربه خنس ، ويقال : رأسه كرأس الحية ، واضع رأسه على ثمرة القلب يمسه ويحدثه ، فإذا ذكر الله خنس وتأخر ، وإذا غفل رجع ، وهل المراد الحقيقة. أو خرطوم الكلب والخنزير كناية عن قبحه وخبثه ونجاسته ، ورأس الحية كناية عن شدة الأذية ، ووضعه على الفؤاد كناية عن شدة التمكن؟ كل محتمل. قوله : (إذا غفلوا عن ذكر الله) أي بقلوبهم ولو كانوا ذاكرين بألسنتهم ، وذلك لأن الوسوسة حالة في القلب ، فلا يطردها إلا الذكر في الحال في القطر ، فمن كان من أهل الذكر ، فلا تسلط للشيطان عليه ، قال تعالى : (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ) ، ولا يترك الإنسان الذكر اللساني إذا وجد الغفلة والوسواس في قلبه ، بل يكثر الذكر ويديمه ، فلعله يستيقظ قلبه ويتنور ، قال العارفون : الذكر اللساني كقدح الزناد ، فإذا تكرر أصاب ، قال بعضهم في ذلك :
اطلب ولا تضجرن من مطلب |
|
فآفة الطالب أن يضجرا |
أما ترى الحبل لتكراره |
|
في الصخرة الصماء قد أثرا |
قوله : (مِنَ الْجِنَّةِ) اسم جنس جمعي ، يفرق بينه وبين واحده بالياء ، فيقال : جن وجني ، كزنج وزنجي ، وغالبا يفرق بالتاء كتمر وتمرة ، وزيدت التاء في الجنة لتأنيث الجماعة ، سموا بذلك لاجتنانهم أي استتارهم عن العيون ، وهم أجسام نارية هوائية ، يتشكلون بالصور الشريفة والخسيسة ، وتحكم عليهم الصورة وتقدم ما فيهم. قوله : (بيان للشيطان الموسوس) أي المذكور بقوله : (مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ) ف (مِنَ) بيانية مشوبة بتبعيض ، أي بعض الجنة وبعض الناس. قوله : (كقوله تعالى) الخ ، أي ويشهد له حديث : «تعوذوا بالله من الشياطين الجن والإنس». قوله : (والناس) عطف على الوسواس ، أي ولفظ (شَرِّ) مسلط عليه كأنه قال : من شر الوسواس الذي يوسوس وهو الجنة ، ومن شر الناس ، وعليه فالناس لا يصدر منهم وسوسة. قوله : (وعلى كل) أي من الاحتمالين ، وقوله : (يشمل) أي الشر المستعاذ منه شر لبيد الخ. قوله : (المذكورين) أي في السورة السابقة ، وفيه تغليب المذكر وهو لبيد ، على المؤنث وهو بناته. قوله : (واعترض الأول) أي وهو أنه بيان للشيطان الموسوس. قوله : (لا يوسوس في صدورهم الناس) كذا في بعض النسخ ، والمناسب كما في بعضها لا يوسوسون في صدور الناس. قوله : (بمعنى يليق بهم) أي كالنميمة ويخنسون إذا زجروا. قوله : (المؤدي) أي الموصل إلى ثبوتها في القلب. قوله : (والله أعلم) أشار بذلك إلى تمام القرآن ، وفي ختم القرآن بهذه السورة إشارة حسنة كأنه قيل : ما