وأحد بدل منه ، أو خبر ثان (اللهُ الصَّمَدُ) (٢) مبتدأ وخبر ، أي المقصود في الحوائج على الدوام (لَمْ يَلِدْ) لانتفاء مجانسته (وَلَمْ يُولَدْ) (٣) لانتفاء الحدوث عنه (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) (٤) أي مكافئا ومماثلا ، فله متعلق بكفوا وقدم عليه لأنه محط القصد بالنفي ، وأخر أحد وهو اسم يكن عن خبرها رعاية للفاصلة.
____________________________________
الأفعال ، فالمتصل في الذات والصفات هو التركيب ، والمنفصل فيهما هو الشبيه والنظير ، والمنفصل في الأفعال هو الشبيه فيها ، وكل هذه منفية ومستحيلة عليه تعالى ، وأما المتصل في الأفعال فهو ثابت ، ولأن أفعال الله متعددة لا نهاية لها ، بقي شيء آخر وهو أن (أَحَدٌ) يستعمل في النفي ، وأما واحد فيستعمل في الإثبات ، فلم ذكره في الإثبات؟ أجيب : بأن ذلك أغلبيّ ، وقد يستعمل كل في كل ، والقرآن وارد بذلك في غير آية ، وآثر الأحد على الواحد لمراعاة الفواصل. قوله : (وأحد بدل) أي بدل نكرة من معرفة وهو جائز.
قوله : (اللهُ الصَّمَدُ) نتيجة ما قبله ، ولذا ترك العاطف ، وذلك لأنه حيث ثبت أنه متصف بالكمالات منزه عن النقائص ، فلا يقصد غيره ، ولا يعول إلا عليه. قوله : (أي المقصود في الحوائج) هذا أحد أقوال في معنى (الصَّمَدُ) وهو المشهور ، وقيل : هو الذي لا جوف له ، وقيل : هو الدائم الباقي بعد فناء خلقه ، وقيل : هو الذي ليس فوقه أحد ، وقيل : غير ذلك ، وإنما عرف (الصَّمَدُ) لعلمهم به ومعرفتهم إياه ، بخلاف أحديته ، وكرر لفظ (اللهُ) إشعارا بأن من لم يتصف به لا يستحق الألوهية.
قوله : (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ) رد على مشركي العرب القائلين : الملائكة بنات الله ، واليهود القائلين : عزير ابن الله ، والنصارى القائلين : المسيح ابن الله ، وهذه الجملة نتيجة ما قبلها ، لأنه حيث ثبت أنه متصف بالكمالات ، منزه عن النقائص ، مقصود في جميع الأمور ، فلم يكن علة في غيره ، ولا غيره علة فيه ، وأتى بالعاطف في الجملتين الأخيرتين دون ما عداهما ، لأنهما سيقتا لمعنى وهو نفي المماثلة عنه تعالى بوجوهها ، لأن المماثلة إما ولد أو والد أو نظير ، فلتغاير الأقسام أتى بالعطف لأنه يقتضي المغايرة ، وترك العاطف في (لَمْ يَلِدْ) لأنه مؤكد للصمدية ، لأن الغني عن كل شيء ، المحتاج إليه كل ما سواه ، لا يكون والدا ولا مولودا ، فهذه الجمل الثلاث في معنى جملة واحدة. قوله : (لانتفاء مجانسته) أي لغيره ، لأن الولد من جنس أبيه ، والله لا يجانسه أحد ، لأنه واجب وغيره ممكن ، ولأن الولد يطلب إما لإعانة والده ، أو لتخلفه بعده ، والله تعالى غني عن كل شيء ولا يفنى. قوله : (لانتفاء الحدوث عنه) أي لأن كل مولود جسم ومحدث ، والله تعالى ليس كذلك. قوله : (ومماثلا) عطف تفسير ، واعلم أن الكفر يعم الشبيه والنظير والمثيل ، فالمثيل هو المشارك لك في جميع صفاتك ، والشبيه هو المشارك في غالبها ، والنظير هو المشارك في أقلها ، والله تعالى منزه عن ذلك كله. قوله : (وقدم عليه) أي وكان الأصل أن يؤخر الظرف ، لكن قدم لأهميته اعتناء بنفي المكافأة عنه تعالى لأنه المقصود. قوله : (لأنه محط القصد بالنفي) أي فالقصد نفي المكافأة عن ذات الله ، فكأن تقديمه أولى ، وهذه السورة الشريفة ، نفت أصول الكفر الثمانية : التركيب والعدد والنقص بمعنى الاحتياج والقلة بمعنى البساطة والعلة والمعلول والشبيه والنظير ، أما الكثرة والعدد فانتفاؤهما بقوله تعالى : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) والنقص والقلة بقوله : (اللهُ الصَّمَدُ) والعلة والمعلول بقوله (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ) والشبيه والنظير ب قوله : (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ).