فيه واحد واحد ، وذلك بعد فتح مكة ، جاء العرب من أقطار الأرض طائعين (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ) أي متلبسا بحمده (وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً) (٣) وكان صلىاللهعليهوسلم بعد نزول هذه السورة يكثر من قول : سبحان الله وبحمده ، أستغفر الله وأتوب إليه ، وعلم بها أنه قد اقترب أجله ، وكان فتح مكة في رمضان سنة ثمان ، وتوفي صلىاللهعليهوسلم في ربيع الأول سنة عشر.
____________________________________
طلحة؟ فدعي لي ، فقال : هاك مفتاحك يا عثمان ، اليوم يوم وفاء وبر ، واجتمع الناس للبيعة فجلس إليهم رسول الله على الصفا ، وعمر بن الخطاب أسفل منه يأخذ على الناس ، فبايعوه على السمع والطاعة فيما استطاعوا ، فلما فرغ من بيعة الرجال بايع النساء وقد أحدقت به الأنصار ، فقالو فيما بينهم : أترون رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذا فتح الله عليه أرضه وبلده يقيم به؟ قال : ماذا قلتم؟ قالوا : لا شيء يا رسول الله ، فلم يزل بهم حتى أخبروه ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : معاذ الله المحيا محياكم ، والممات مماتكم ، وقام رسول الله صلىاللهعليهوسلم بمكة بعد فتحها خمس عشرة ليلة يقصر الصلاة ، ثم خرج إلى هوازن وثقيف. قوله : (يَدْخُلُونَ) نصب على الحال إن كانت رأى بصرية ، أو مفعول ثان إن كانت عملية. قوله : (أَفْواجاً) حال من فاعل (يَدْخُلُونَ) وهو جمع فوج. والمعنى : يدخلون زمرا زمرا من غير قتال ، وقوله : (جاءه العرب) لا مفهوم له بل وغيرهم.
قوله : (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ) أي قل : سبحان الله والحمد لله ، تعجبا مما رأيت من عجيب إنعامه عليك. قوله : (وَاسْتَغْفِرْهُ) أي سل الله الغفران ، وإنما أمر الله تعالى نبيه بالاستغفار ، مع أنه معصوم من جميع الذنوب صغيرها وكبيرها ، ليترقى ويرجع إلى حضرة الحق ، فإنه وإن كان مشغولا بهداية الخلق ، إلا أن مقام الصفوة والحضور والأنس أعلى وأجل ، فهو من باب حسنات الأبرار سيئات المقربين ، ليزداد في التواضع والافتقار ، وليكون ختام عمله التنزيه والاستغفار ، وفيه تشريع للأمة ، إذا طعن أحدهم في السن ، فالغالب قرب أجله ، فليكثر من ذلك ليختم عمله به.
قوله : (إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً) أي ولم يزل ، فكان للدلالة على ثبوت خبرها لاسمها ، ومعنى كونه (تَوَّاباً) أنه يكثر قبول التوبة ، وبهذا اندفع ما يقال : إن كان للدلالة على ثبوت خبرها لاسمها في الماضي ، وإذا كان كذلك فلا يصح أن يكون علة للاستغفار في الحال أو المستقبل. قوله : (وعلم بها أنه قد اقترب أجله) أي لقول مقاتل لما نزلت قرأها النبي صلىاللهعليهوسلم على أصحابه ، وفيهم أبو بكر وعمر وسعد بن أبي وقاص والعباس ، ففرحوا واستبشروا وبكى العباس ، فقال له النبي صلىاللهعليهوسلم ما يبكيك يا عم؟ قال : نعيت إليك نفسك ، قال : إنه كما قلت ، فعاش بعدها ستين يوما ، ما رئي فيها ضاحكا. وقيل : نزلت في منى بعد أيام التشريق في حجة الوداع ، فبكى عمر والعباس ، فقيل لهما : هذا يوم فرح ، فقالا : بل فيه نعي النبي صلىاللهعليهوسلم ، أي إخبار بموته. وعن ابن عمر : نزلت هذه السورة بمنى في حجة الوداع ، ثم نزل : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي) فعاش النبي صلىاللهعليهوسلم بعدها ثمانين يوما ، ثم نزلت آية الكلالة ، فعاش بعدها خمسين يوما ، ثم نزل (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ) فعاش بعدها إحدى وعشرين يوما ، وقيل : سبعة أيام ، وقيل : غير ذلك قوله : (توفي صلىاللهعليهوسلم سنة عشر) إن قلت : إن سنة عشر حج فيها وتوفي فيها ولده إبراهيم ، فالصواب سنة إحدى عشرة. وأجيب : بأن المراد على تمام عشر من الهجرة إلى المدينة ، وذلك لأن الهجرة