فقال الكفار : إنما فعل ذلك ليد كانت له عنده فنزل (وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى) (١٩) (إِلَّا) لكن فعل ذلك (ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى) (٢٠) أي طلب ثواب الله (وَلَسَوْفَ يَرْضى) (٢١) بما يعطاه من الثواب في الجنة ، والآية تشمل من فعل مثل فعله رضي الله تعالى عنه ، فيبعد عن النار ويثاب.
____________________________________
مشركا ، حمله أبو بكر على الإسلام على أن يكون ماله له : فأبى فأبغضه أبو بكر ، فلما قال أمية : أبيعك بغلامك نسطاس ، اعتنمه أبو بكر وباعه به ، وكان قد أعتق قبله ست رقاب وهم : عامر بن فهيرة شهد بدرا واحدا وقتل يوم بئر معونة شهيدا. وأعتق أم عميس وزهرة فأصيب بصرها حين أعتقها ، فقالت قريش : ما أذهب بصرها إلا اللات والعزى ، فقالت : كذبوا وبيت الله ، ما تضر اللات والعزى وما ينفعان ، فردّ الله تعالى عليها بصرها وأعتق الفهرية وابنتها وكانتا لامرأة لبني عبد الدار ، فمر بهما وقد بعثتهما سيدتهما يحتطبان لها وهي تقول لهما : والله لا أعتقكما أبدا فقال أبو بكر : كلا يا أم فلان ، فقالت : كلا أنت أفسدتها فأعتقهما ، قال : فبكم؟ قالت : بكذا وكذا ، قال : قد أخذتهما وهما حرتان. ومر بجارية من بني المرسل وهي تعذب ، فابتاعها فأعتقها ، وفي ذلك يقول عمار بن ياسر :
جزى الله خيرا عن بلال وصحبه |
|
عتيقا وأخزى فاكها وأبا جهل |
عشية هما في بلال بسوءة |
|
ولم يحذرا ما يحذر المرء ذو العقل |
بتوحيده رب الأنام وقوله |
|
شهدت بأن الله ربي على مهل |
فإن تقتلوني تقتلوني ولم أكن |
|
لأشرك بالرحمن من خيفة القتل |
فيا رب إبراهيم والعبد يونس |
|
وموسى وعيسى نجني ثم لا تمل |
لمن ظل يهوى الغي من آل غالب |
|
على غير حق كان منه ولا عدل |
قوله : (فقال الكفار) الخ ، المناسب أن يقول : ولما قال الكفار : (إنما فعل ذلك) الخ ، نزل قوله تعالى : (وَما لِأَحَدٍ) الخ. قوله : (إنما فعل) أي أبو بكر ، وقوله : (ذلك) أي شراء بلال وإعتاقه ، وقوله : (ليد كانت له) أي نعمة كانت لبلال عند أبي بكر ، بأن صنع مع أبي بكر معروفا فأحب أبو بكر مكافأته بما فعله معه ، وقوله : (فنزل) أي تكذيبا للكفار. قوله : (وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ) أي عند أبي بكر ، لا من بلال ولا غيره. قوله : (تُجْزى) صفة ل (نِعْمَةٍ) أي يجزى الإنسان بها ، وأتى به مضارعا مبنيا للمفعول رعاية للفواصل. قوله : (لكن فعل ذلك) الخ ، أشار بذلك إلى أن الاستثناء منقطع ، لأن ابتغاء وجه ربه ، ليس من جنس النعمة ، وهو منصوب على أنه مفعول لأجله. قوله : (وَلَسَوْفَ يَرْضى) جواب قسم مقدر ، أي والله لسوف يرضى ، وهو وعد من الكريم تعالى لأبي بكر ، بنيل جميع ما يتمناه على أبلغ وجه وأجمله ، والعامة على بناء (يَرْضى) للفاعل ، وقرى شذوذا ببنائه للمفعول ، أي يرضيه الله ، أي يعطيه الله ، أي يعطيه حتى يرضى.