بتخفيف ما فهي مزيدة ، وإن مخففة من الثقيلة ، واسمها محذوف ، أي إنه واللام فارقة وبتشديدها فإن نافية ولما بمعنى إلا ، والحافظ من الملائكة يحفظ عملها من خير وشر (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ) نظر اعتبار (مِمَّ خُلِقَ) (٥) من أي شيء؟ جوابه (خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ) (٦) ذي اندفاق من الرجل ، والمرأة في رحمها (يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ) للرجل (وَالتَّرائِبِ) (٧) للمرأة وهي عظام الصدر (إِنَّهُ) تعالى (عَلى رَجْعِهِ) بعث الإنسان بعد موته (لَقادِرٌ) (٨) فإذا اعتبر أصله علم أن القادر على ذلك قادر
____________________________________
حين ينزل وحين يصعد. قوله : (وجواب القسم) الخ ، أي وما بينهما اعتراض ، جيء به تفخيما للمقسم به. قوله : (فهي مزيدة) أي و (كُلُ) مبتدأ ، و (عليها) خبر مقدم ، و (حافِظٌ) مبتدأ مؤخر ، والجملة خبر (كُلُّ). قوله : (واسمها محذوف) فيه نظر بل هي مهملة لا عمل لها ، لأن لام الفرق يؤتى بها عند الإهمال لا عند الإعمال ، كما قال ابن مالك :
وخففت إن فقلّ العمل |
|
وتلزم اللام إذا ما تمهل |
قوله : (واللام فارقة) أي بين المخففة والنافية. وقوله : (وبتشديدها) أي وهما قراءتان سبعيتان. قوله : (والحافظ من الملائكة) الخ ، يحتمل أن يراد الحفظ من العاهات والآفات ، وهو عشرة بالليل وعشرة بالنهار لكل آدمي ، فإن كان مؤمنا ، وكل الله به مائة وستين ملكا ، يذبون عنه كما يذب عن قصعة العسل الذباب ، ولو كان العبد إلى نفسه طرفة عين لاختطفته الشياطين ، أو حفظ الأعمال ، وهما رقيب وعتيد ، وعليه درج المفسر ، وقيل : المراد بالحافظ الله تعالى ، فتحصل أن الحافظ قيل الكاتب أو مطلق الملائكة الحفظة أو الله تعالى ، والأحسن أن يراد ما هو أعم.
قوله : (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ) الخ ، لما ذكر تعالى أن كل نفس عليها حافظ ، أتبع ذلك توصية الإنسان بالنظر في أول نشأته ، والأمر للإيجاب. قوله : (مِمَّ خُلِقَ) الجار والمجرور متعلق بخلق ، والجملة في محل نصب بقوله : (فَلْيَنْظُرِ) المعلق عنها بالاستفهام. قوله : (ذي اندفاق) أي انصباب ، وأشار بذلك إلى أن (دافِقٍ) صيغة نسب كلابن وتامر ، فالمعنى خلق من ماء متدفق ومدفوق. قوله : (في رحمها) متعلق بدافق. قوله : (مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ) أي وهو عظام الظهر و (بَيْنِ) زائدة ، لأن (بَيْنِ) إنما تضاف لمتعدد ، وهنا ليس كذلك إلا أن يقال : المراد من بين أجزاء الصلب الخ. قوله : (وَالتَّرائِبِ) (للمرأة) وقال الحسن : المعنى يخرج من صلب الرجل وترائب الرجل ، وصلب المرأة وترائب المرأة. قوله : (وهي عظام الصدر) أي وهي محل القلادة ، وهذا أحد أقوال ، وقيل : الترائب ما بين ثدييها ، وقيل : الترائب التراقي ، وقيل : الترائب أربعة أضلاع من يمنة الصدور وأربعة أضلاع من يسرة الصدر ، وقال القرطبي : إن ماء الرجل ينزل من الدماغ ثم يتجمع في الأنثيين ، ولا يعارضه قوله تعالى : (يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ) لأنه ينزل من الدماغ إلى الصلب ، ثم يجتمع في الأنثيين.
قوله : (إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ) نتيجة النظر المذكور ، لأن الأمر بالنظر إنما هو لأجل التفكر في الميعاد والبعث. قوله : (بعث الإنسان) الخ ، هذا هو الصحيح اللائق بمعنى الآية بدليل ما بعده ، وفي الآية تفاسير أخر منها : أن الضمير يعود على الإنسان ، والمعنى : أن على رجع الإنسان لحالة النطفية لقادر بأن يرده من الشيخوخة للشبوبة ، ومنها للصبا ومنه إلى كونه حملا إلى مضغة إلى علقة إلى نطفة ، ومنها : أن