(الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى) أي من (النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ) (٢) الكيل (وَإِذا كالُوهُمْ) أي كالوا لهم (أَوْ وَزَنُوهُمْ) أي وزنوا لهم (يُخْسِرُونَ) (٣) ينقصون الكيل أو الوزن (أَلا) استفهام توبيخ (يَظُنُ) يتيقن (أُولئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ) (٤) (لِيَوْمٍ عَظِيمٍ) (٥) أي فيه وهو يوم القيامة (يَوْمَ) بدل من محل ليوم فنصبه مبعوثون (يَقُومُ النَّاسُ) من قبورهم (لِرَبِّ الْعالَمِينَ) (٦) الخلائق لأجل أمره وحسابه وجزائه (كَلَّا) حقا (إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ) أي كتب أعمال الكفار (لَفِي سِجِّينٍ) (٧) قيل
____________________________________
الطفيف ، أي الشيء التافه لقلته ، وهذا الوعيد يلحق كل من يأخذ لنفسه زائدا ، ويدفع إلى غيره ناقصا قليلا أو كثيرا ، لكن إن لم يتب منه ، فإن تاب قبلت توبته ، ومن فعل ذلك وأصر عليه ، كان مصرا على كبيرة من الكبائر ، وذلك لأن عامة الخلق محتاجون إلى المعاملات ، وهي مبنية على أمر الكيل والوزن والذرع ، فلهذا السبب ، عظم الله أمر الكيل والوزن ، قال نافع : كان ابن عمر يمر بالبائع فيقول : اتق الله وأوف الكيل والوزن ، فإن المطففين يوقفون يوم القيامة حتى يلجمهم العرق ، فيكون عرقهم على قدر تفاوتهم في التطفيف ، فمنهم من يكون إلى كعبيه ، ومنهم من يكون إلى ركبتيه ، ومنهم من يكون إلى حقويه ، ومنهم من يلجمه العرق إلجاما ، وفي الحديث الصحيح : «خمس بخمس ، ما نقض العهد قوم إلا سلط الله عليهم عدوهم ، وما حكموا بغير ما أنزل الله إلا فشا فيهم الفقر ، وما ظهرت فيهم الفاحشة أي الزنا إلا فشا فيهم الموت ، ولا طففوا الكيل إلا منعوا النبات وأخذوا بالسنين من القحط ، ولا منعوا الزكاة إلا حبس عنهم القطر».
قوله : (عَلَى النَّاسِ) متعلق باكتالوا ، و (عَلَى) بمعنى (من) كما قال المفسر ، ويصح أن يكون متعلق بيستوفون ، قدم لإفادة الاختصاص ، والمعنى : يستوفون على الناس خاصة ، وأما لأنفسهم فيستوفون لها. قوله : (يَسْتَوْفُونَ) أي يزيدون على حقهم ، وليس المراد يستوفون حقهم فقط ، إذ ليس في ذلك نهي. قوله : (أي كالوا لهم) أشار بذلك إلى أن ضمير «هم» في محل نصب مفعول لكالوا ، تعدى إليه الفعل بنفسه بعد حذف اللام ، وليس ضمير رفع مؤكدا للواو. قوله : (أَوْ وَزَنُوهُمْ) حذفه مما تقدم لدلالة هذا عليه. قوله : (يُخْسِرُونَ) جواب (إِذا.) قوله : (استفهام توبيخ) أي فلا نافية ، دخل عليها همزة الاستفهام ، فألا هنا ليست استفتاحية ، بل هي همزة الاستفهام ، دخلت على لا النافية ، فأفادت التوبيخ والإنكار.
قوله : (أَلا يَظُنُّ أُولئِكَ) إلخ ، أشار المفسر إلى أن الظن بمعنى اليقين ، أي لا يوقن أولئك ، إذ لو أيقنوا ما نقصوا في الكيل والوزن ، وقيل : الظن بمعنى التردد ، والمعنى : إن كانوا لا يستيقنون بالبعث ، فهلا ظنوه حتى يتدبروا ويأخذوا بالأحواط ، وأولئك اشارة للمطففين ، أتى بها نظرا إلى بعدهم عن مرتبة الأبرار ، وعدهم من الأشرار. قوله : (فناصبه مبعوثون) أي مقدرا ، لأن البدل على نية تكرار العامل. قوله : (حقا) أي فكلا كلام مستأنف ، فالوقف على ما قبلها ، وقيل : إنها كلمة ردع وزجر ، والمعنى : ليس الأمر على ما هم عليه من بخس الكيل والميزان ، فعلى هذا يكون الوقف عليها. قوله : (الفُجَّارِ) أظهر في مقام الإضمار ، تسجيلا عليهم بهذا الوصف الشنيع. قوله : (أي كتب أعمال الكفار) أشار بذلك إلى أن (كِتابٌ) بمعنى كتب ، والكلام على حذف مضاف ، وبذلك اندفع ما يلزم من ظرفية الشيء في نفسه.