دعاهم من الأمر ، ولم يكن مال أعجب إليهم منها (وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ) (٥) جمعت من بعد البعث ليقتصّ لبعض من بعض ثم تصير ترابا (وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ) (٦) بالتخفيف والتشديد ، أوقدت فصارت نارا (وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ) (٧) قرنت بأجسادها (وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ) الجارية تدفن حية خوف العار والحاجة (سُئِلَتْ) (٨) تبكيتا لقاتلها (بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ) (٩) وقرىء بكسر التاء
____________________________________
قوله : (وَإِذَا الْوُحُوشُ) أي دواب البر ، وقوله : (جمعت) أي من ناحية. قوله : (بالتخفيف والتشديد) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله : (أوقدت فصارت نارا) هذا أحد أقوال في تفسير التسجير ، وقيل : سجرت ملئت من الماء ، وقيل : اختلط عذبها بمالها حتى صارت بحرا واحدا ، وقيل : يبست ، ويمكن الجمع بين تلك الأقوال ، فأولا يفيض بعضها لبعض ثم تيبس ثم تقلب نارا ، ثم ما تقدم من الآيات الست ، يجوز أن يكون مقدمة للنفخة الأولى ، فالأحياء يشاهدون ذلك ، لما روي عن أبي بن كعب قال : ست آيات من قبل يوم القيامة ، بينما الناس في أسواقهم ، ذهب ضوء الشمس وبدت النجوم ، فتحيروا ودهشوا ، فبينما هم كذلك ، إذ وقعت الجبال على وجه الأرض ، فتحركت واضطربت واحترقت فصارت هباء منثورا ، ففزع الإنس إلى الجن ، والجن إلى الإنس ، واختطلت الدواب والوحوش والهوام والطير ، وماج بعضها في بعض ، فذلك قوله تعالى : (وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ) ثم قالت الجن للإنس : نحن نأتيك بالخبر ، فانطلقوا إلى البحار ، فإذا نار تتأجج ، فبينما هم كذلك ، انصدعت الأرض صدعة واحدة إلى الأرض السابعة السفلى ، وإلى السماء السابعة العليا ، فبينما هم كذلك ، إذ جاءتهم ريح فأماتتهم ، ويجوز أن يكون في النفخة الثانية ، ويقال في تعطيل العشار ، يحتمل أنه كناية عن شدة الهول ، حتى لا يلتفت الشخص إلى أنفس أمواله ، أو تبعث معطلة بلا راع ، ولا يلتفت لها صاحبها ، لأن البهائم تحشر للقصاص من بعضها لبعض ، وأما الست الباقية فتحصل بالنفخة الثانية اتفاقا. قوله : (قرنت بأجسادها) أي ردت الأرواح إلى أجسادها ، فالتزويج على هذا جعل الشيء زوجا ، النفوس بمعنى الأرواح ، وقيل : قرن كل امرىء بشيعته فاليهودي يضم لليهود ، والنصراني للنصارى ، وهكذا ، وقيل : قرن الرجل الصالح بالرجل الصالح في الجنة ، والرجل السوء بالرجل السوء في النار ، وقيل : زوجت نفوس المؤمنين بالحور العين ، وقرنت الكفار بالشياطين ، وكذلك المنافقون ، وفي الحقيقة يحصل كل. قوله : (الجارية) المراد بها مطلق الأنثى ، وقوله : (والحاجة) أي الفقر ، فكان الرجل في الجاهلية ، إذا ولدت له بنت فأراد أن يستحييها ، ألبسها جبة من صوف أو شعر ترعى له الإبل والغنم في البادية ، وإذا أراد قتلها تركها ، حتى إذا كانت بنت ست سنين يقول لأمها : طيبيها وزينيها حتى أذهب بها إلى احمائها ، وقد حفر لها بئرا في الصحراء ، فيذهب بها إلى البئر فيقول لها : انظري فيها ، ثم يدفعها من خلفها ويهيل عليها التراب حتى تستوي بالأرض. وقال ابن عباس : كانت الحامل إذا قربت ولادتها ، حفرت حفرة فتمخضت على رأس تلك الحفرة ، فإذا ولدت بنتا رمت بها في الحفرة ، وإذا ولدت ولدا أبقته. قوله : (تبكيتا لقاتلها) جواب عما يقال : ما معنى سؤال الموءودة ، مع أن مقتضى الظاهر سؤال القاتل عن قتله إياها ، فأجاب : بأن سؤالها هي لافتضاح القاتل وتبكيته ، ولا يلزم من السؤال تعذيب القاتل ، لأنه يقال : إن كان القاتل من أهل الفترة فلا يعذب ، وإنما يرضي الله المقتولة بإحسانه ، وإن كان ممن بلغته الدعوة ، فهم آثم يعذب على القتل إن لم يغفر له الله تعالى. قوله : (وقرىء بكسر التاء) أي الثانية على أنها تاء