ذلك يقول له إذا جاء : «مرحبا بمن عاتبني فيه ربي» ويبسط له رداءه (وَما يُدْرِيكَ) يعلمك (لَعَلَّهُ يَزَّكَّى) (٣) فيه إدغام التاء في الأصل في الزاي ، أي يتطهر من الذنوب بما يسمع منك (أَوْ يَذَّكَّرُ) فيه إدغام التاء في الأصل في الذال أي يتعظ (فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى) (٤) العظة المسموعة منك ، وفي قراءة بنصب تنفعه جواب الترجي (أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى) (٥) بالمال (فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى) (٦) وفي قراءة بتشديد الصاد بإدغام التاء الثانية في الأصل فيها تقبل وتتعرض (وَما عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى) (٧) يؤمن (وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى) (٨) حال من فاعل جاء (وَهُوَ يَخْشى) (٩) الله حال من فاعل يسعى وهو الأعمى (فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى) (١٠) فيه حذف التاء الأخرى في الأصل أي تتشاغل (كَلَّا) لا تفعل مثل ذلك (إِنَّها) أي
____________________________________
وإيضاح ما قاله المفسر : أن الأعمى جاءه وعنده صناديد قريش : عتبة وشيبة ابنا ربيعة ، وأبو جهل بن هشام ، والعباس بن عبد المطلب ، وأمية بن خلف ، والوليد بن المغيرة ، يدعوهم إلى الإسلام ، رجاء أن يسلم أولئك الأشراف الذين كان يخاطبهم ، فيتأيد بهم الإسلام ، ويسلم بإسلامهم أتباعهم ، فتعلو كلمة الله تعالى ، فقال : يا رسول الله أقرئني وعلمني مما علمك الله تعالى ، وكرر ذلك وهو لا يعلم ، ، فتشاغل النبي صلىاللهعليهوسلم بالقوم ، فكره رسول الله قطعه لكلامه ، وعبس وأعرض عنه ، وقال في نفسه : يقول هؤلاء الصناديد : إنما اتبعه العميان والعبيد والسفلة ، فعبس وجهه وأعرض عنه ، وأقبل على القوم الذين يكلمهم ، فأنزل الله هذه الآيات. إن قلت : إن ابن أم مكتوم اعطاه الله من السمع ما يغني عن البصر ، فهو وإن لم ير القوم ، لكنه لشدة سمعه ، كان يسمع مخاطبة النبي معهم ، وحينئذ فيكون اقدامه على قطع كلام رسول الله ايذاء له فيكون معصية ، فكيف يعاتب عليه صلىاللهعليهوسلم؟ وكيف يقول المفسر (ولم يدر الأعمى) الخ ، أجيب : أن عدم علمه ، لعله من أجل دهشته بقدومه على رسول الله ، ولا شك أن جلاله صلىاللهعليهوسلم وجماله يدهش العقول ، ولا سيما بالمحب المشتاق الراغب في التعليم ، وعتابه صلىاللهعليهوسلم بالنظر لما علمه الله من طردهم عن رحمته ، لا بالنظر لظاهر شرعه ، وإلا فهو صلىاللهعليهوسلم لم يفعل مكروها ، ولا خلاف الأولى ، إذ الأهم مقدم على المهم ، وإنما ذلك من باب حسنات الأبرار سيئات المقربين. قوله : (ويبسط له رداءه) أي ويقول له : هل لك من حاجة؟
قوله : (وَما يُدْرِيكَ) فيه التفات من الغيبة إلى الخطاب ، و (ما) استفهامية مبتدأ ، وجملة (يُدْرِيكَ) خبره ، والكاف مفعول أول ، وجملة قوله : (لَعَلَّهُ يَزَّكَّى) سادة مسد المفعول الثاني. قوله : (أي يتطهر من الذنوب) أي لا من الشرك ، لأنه أسلم قديما بمكة. قوله : (أَوْ يَذَّكَّرُ) عطف على (يَزَّكَّى.) قوله : (فَتَنْفَعَهُ) بالرفع عطف على (أَوْ يَذَّكَّرُ.) قوله : (وفي قراءة) أي وهي سبعية أيضا. قوله : (أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى) أي عما عندك من الإيمان والقرآن والعلوم. قوله : (فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى) الجار والمجرور متعلق بتصدى ، قدم عليه رعاية للفاصلة ، وأصل (تَصَدَّى) تصدد ، أبدلت الدال الثانية حرف علة. قوله : (وفي قراءة) أي وهي سبعية أيضا. قوله : (تقبل) أي بالإصغاء إلى كلامه. قوله : (وَما عَلَيْكَ) الخ (ما) نافية ، و (عَلَيْكَ) خبر مبتدأ محذوف ، وقوله : (أَلَّا يَزَّكَّى) متعلق بالمبتدأ المحذوف ، والتقدير : ليس عليك بأس في عدم تزكيته.
قوله : (وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى) أي يسرع ويمشي في طلب الخير. قوله : (وهو الأعمى) تفسير لمن. قوله : (أي تتشاغل) أي بدعاء قريش إلى الإسلام ، وهذا الشغل وإن كان واجبا عليه ، إلا أنه عوتب نظرا