(أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (١٥) من المعاصي (اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً) سترا على أنفسهم وأموالهم (فَصَدُّوا) بها المؤمنين (عَنْ سَبِيلِ اللهِ) أي الجهاد فيهم بقتلهم وأخذ أموالهم (فَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ) (١٦) ذو إهانة (لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللهِ) من عذابه (شَيْئاً) من الإغناء (أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) (١٧) اذكر (يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ) أنهم مؤمنون (كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ) من نفع حلفهم في الآخرة كالدنيا (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ) (١٨) (اسْتَحْوَذَ) استولى (عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ) بطاعتهم له (فَأَنْساهُمْ ذِكْرَ اللهِ أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ) أتباعه (أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ) (١٩) (إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ) يخالفون (اللهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ) (٢٠) المغلوبين (كَتَبَ اللهُ) في اللوح المحفوظ أو قضى (لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي) بالحجة أو السيف (إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) (٢١) (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ) يصادقون (مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا) أي المحادّون
____________________________________
قوله : (وَهُمْ يَعْلَمُونَ) الجملة حالية من فاعل (يَحْلِفُونَ) والمعنى : يحلفون كاذبين ، والحال أنهم يعلمون ذلك ، فيمينهم غموس لا عذر لهم فيها ، وهذه اليمين توجب لصاحبها الغمس في النار ، إن كان مؤمنا خالصا ، فما بالك إن كان كافرا؟ وفائدة الإخبار عنهم بذلك ، بيان ذمهم عليه. قوله : (أَيْمانَهُمْ جُنَّةً) مفعولان لا تخذوا ، والمعنى : جعلوا أيمانهم الكاذبة وقاية لأنفسهم وأموالهم ، فلو لا ذلك لقوتلوا وأخذ مالهم. قوله : (فَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ) أي في الآخرة ، والعذاب الأول في الدنيا أو القبر. قوله : (من عذابه) أشار بذلك إلى أن الكلام على حذف مضاف. قوله : (شَيْئاً) مفعول مطلق كما أشار له بقوله : (من الإغناء).
قوله : (كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ) أي في الدنيا. قوله : (وَيَحْسَبُونَ) حال من فاعل (يَحْلِفُونَ) والمعنى يحلفون ، والحال أنهم يظنون أن حلفهم في الآخرة ينفعهم وينجيهم من عذابها ، كما نفعهم في الدنيا بدفع القتال عنهم. قوله : (اسْتَحْوَذَ) هذا الفعل مما جاء على الأصل وخولف فيه القياس ، إذ قياسه استحاذ بقلب الواو ألفا ، كاستعاذ واستقام. قوله : (فَأَنْساهُمْ ذِكْرَ اللهِ) أي فلا يذكرونه بألسنتهم ولا بقلوبهم ، وما يقع منهم من صورة الذكر باللسان فهو كذب. قوله : (هُمُ الْخاسِرُونَ) أي لأنهم فوتوا على أنفسهم النعيم الدائم ، وعرضوها للعذاب المقيم. قوله : (أُولئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ) أي مع الأذلين ، أو معدودون في جملتهم. قوله : (المغلوبين) أي وهم الكفار والمنافقون.
قوله : (كَتَبَ اللهُ) ضمنه معنى أقسم ، ولذا يجاب بما يجاب به القسم وهو قوله : (لَأَغْلِبَنَ) ويصح أن يبقى على ظاهره أو بمعنى قضى ، وعليهما اقتصر المفسر ، ويكون قوله : (لَأَغْلِبَنَ) جوابا لقسم محذوف. قوله : (بالحجة أو السيف) أو مانعة خلو تجوز الجمع ، فالرسول يغلب تارة بالسيف ، وتارة بالبراهين والدلائل ، وتارة بهما معا. قوله : (يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) أي إيمانا صحيحا ، فالمؤمن الموصوف بهذه الصفة ، لا يمكن أن يصادق الكفار ويحبهم بقلبه ، لأنه إن فعل ذلك ، لم يكن صادقا في إيمانه ، بل يكون منافقا كما قال الشاعر :