الجانب التنظيمي (١) لهذه القوات ، وكيفية سير طوابره ، لما كان يعلمه من أحوال بلاده التي تعتمد على الأساليب القديمة والإمدادات الطفيفة والأسلحة العتيقة ، التي لا ترقى لمستوى التنظيمات العسكرية للجيش الفرنسي الحديث. غير أن المهمة السياسية قد طغت في المرحلة الأولى من زيارتهم لفرنسا ، على المهمة العسكرية التي أخذت حصة الأسد عند زيارتهم لبلجيكا بالتعرف على الأسلحة الحديثة ، والتي تتميز بخفض الوزن وذات فعالية حربية كبيرة من بينها نجد مدفعا صغيرا متعدد الطلقات المعروف (٢) باسم المدفع الرشاش Mitrailleux والذي يمكن حمله بسهولة على ظهر الدواب ونقله بسرعة إلى الأماكن البعيدة أو المناطق الجبلية بدون عناء كبير ، لقمع الفتن والثورات الداخلية ، خاصة أن هذا السلاح أثبت فاعلية كبيرة في القضاء على جماعات بشرية والخيالة في الحرب الأهلية الأمريكية (٦١ ـ ١٨٦٥ م) وحرب ابروسيا مع فرنسا (٧٠ ـ ١٨٧١ م) وغير ذلك. وتتضح لنا هذه المهمة من خلال المراسلات التي كانت قائمة بين الحاجب السلطاني والسفير الزبيدي (٣) ، الذي كان يخبره بتفاصيل عن هذا السلاح الفتاك الذي تعرفوا عليه بمعامل السلاح ببروكسيل ، وقد خصه الجعيدي (٤) بالبحث والتدقيق والتجريب مع رسم شكل فوهته تقريبا للفهم بما كانوا يعتقدونه أنه يتوفر على جعبة واحدة.
__________________
(١) الرحالة محمد الفاسي الذي أذهلته الاستعراضات والمناورات العسكرية بأنجلترا يرد ذلك التفوق إلى أن حظ الكفار من الطيبات يعجل لهم في الدنيا «الرحلة الإبريزية» الصفحة. ١٩ أما الرحالة أحمد الغزال بعد مشاهدته لعرض عسكري إسباني ضخم فقال : «... إن جنود الإسلام لا يلتفتون للمدافع ولا للبنب حال القتال ..». أما الصفار فيقول بعد مشاهدته لمناورات عسكرية بفرنسا «... ومن طبعهم أن يوروا ما عندهم ، ولا يتركون عندهم شيئا جليا أو خفيا إلا أطلعونا عليه ... مما هو في الظاهر فرحة وفي الباطن تخويف وفرحة ، مع أنا والحمد لله لا نخافهم ، وإنما نخاف الله ...» في رحلته إلى فرنسا ، ص ٥٢ و٥٣ و٥٤.
(٢) الموسوعة العسكرية ج ١ : ٨٣ إلى ٨٥.
(٣) انظر «الإتحاف» لابن زيدان ، ج ٢ : ٢٩١.
(٤) انظر رحلة الجعيدي ، ص ٢١٦.