يواجهها المخزن المغربي وإلى كثرة حاجياته لإصلاح هياكله العتيقة وتقويتها ، علما منه أن المواجهة السياسية تتطلب دعما عسكريا ، وذلك بتحديث الجيش المخزني الذي انهزم مرتين أمام الجيوش الأوربية ، وتزويده بالمعدات الحربية المتطورة وتدريبه عليها ، وإرسال البعثات الطلابية إلى أوربا قصد التكوين والدراسة. وغير ذلك من التجديدات التي يتطلبها العصر ، والتي عزم الحسن الأول على القيام بها منذ توليه حكم المغرب سنة ١٨٧٣ م ، غير أن العروض كثيرة وتتداخل معها المساومات والمراهنات. لهذا كلف السلطان (١) الزبيدي بمهمة التعرف على المعامل الحربية الأوربية والبحث والتقصي عن المعدات وكتابة تقارير حولها ، ونبهه على الاهتمام والتركيز على بعض العينات بل طالبه بجلبها إذا أمكن.
في إطار هذه المهمة العسكرية الصعبة ، شرع الجعيدي في تسجيل تقاريره وارتساماته بأسلوب علمي ناقد. أولى الأشياء التي عالجها في رحلته هي وصفه لأكبر الاستعراضات العسكرية التي شهدتها باريس برآسة المارشال ماك ماهون الذي تولى السلطة سنة ١٨٧٣ م. مهتما بإعادة تنظيم الجيش الفرنسي الذي انهزم أمام ابروسيا (٧٠ ـ ١٨٧١ م) ، متجاوزا بذلك معاهدة (٢) فرانكفورت ، وذلك قصد إعادة الاعتبار والثقة لسمعة فرنسا الدولية ، ومرهبا بطريقة غير مباشرة السفارة المغربية الممثلة للإمبراطورية المغربية والجارة للجزائر. وقد ركز الجعيدي في رحلته على
__________________
(١) المخزن كان يحتكر مبدئيا تجارة السلاح ، لأسباب أمنية وسياسية وعسكرية ، لكن فساد الإدارة وتعذر المراقبة ، فعرفت تجارة تهريب الأسلحة تطورا كبيرا فالأوربيون وجدوا في بيع الأسلحة للقبائل تجارة رائجة. انظر دراسة برادة ثريا «الجيش المغربي وتطوره في ق ١٩ م» ..
(٢) تاريخ العلاقات الدولية القرن التاسع عشر ١٨١٥ ـ ١٩١٤ ، تأليف بيير نوفان ، تعريب د. جلال يحيى ، سنة ١٩٨٠ ، دار المعارف ، ص ٤٤٧.