أقول : ولو قال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ذلك أيضا لما خضع المتعصبون المتسولون له ، ولما آمنوا وسلّموا ، بل يذكرون له الاحتمالات البعيدة ، فيقولون مثلا إن المراد من « الأمر » هو المحبة والنصرة لا الامارة والخلافة ، أو أن المراد مقام القطبية والامامة في الباطن ، بأن يكن القيام في الناس بمعنى أن يأخذوا منه العلوم الباطنية ويقتدون به في تلك الجهات فحسب ... وبذلك يخرج هذا الكلام عن كونه نصا صريحا في الامامة والخلافة ، وحينئذ ينسب إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم التقصير في إبلاغ الرسالة الإلهية ، والقصور في بياناته الشريفة حول المسائل المهمة الاساسية ، وحيث يراد تنزيه مقام النبوة من هذه النقائص تدفع تلك الاحتمالات بالقرائن القطعية الحافة بالكلام ، ويقال بوجوب حمل « الأمر » في « أمركم » على الامامة والخلافة.
ونحن على ضوء هذه المقدمة نقول : إن حديث الغدير نص في الامامة ، ولو أن المتعصبين حاولوا صرفه عن الدلالة على ذلك بذكر الاحتمالات البعيدة فإنا ندفع تلك الاحتمالات بالقرائن القطعية.
فعلم أن هذا الكلام المنسوب إلى الحسن المثنى يؤيد مرام أهل الحق ، وأن من احتج به فقد غفل أو تغافل عن ذلك.
( الثاني ) : إنه يثبت دلالة « من بعدي » على الاتصال دلالة صريحة لا يعتريها ريب ولا يشوبها شك ، وبذلك يبطل حمل بعضهم هذا القيد الموجود في قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « علي وليكم بعدي » ونحوه على الانفصال ، وكفى الله المؤمنين القتال.
( الثالث ) : إنه لما كانت هذه العبارة : « يا أيها الناس إنّ عليا والي أمركم من بعدي والقائم عليكم في الناس بأمري » نصا صريحا في الامامة والخلافة ، وتدل على المطلوب بلا ريب أو شبهة بحيث لا يبقى مجال لأيّ تأويل أو احتمال ... فإن سائر نصوص إمامة أمير المؤمنين المشتملة على لفظ « الامامة » أو « الخلافة » التي سمعت بعضها تكون دالة على المطلوب بالقطع واليقين ، وبذلك تذهب تأويلات