يأتي» و «حتّى أن تتّبع». وكذلك جميع ما في القرآن من «حتّى». وكذلك (وزلزلوا حتّى يقول الرّسول) [البقرة : الآية ٢١٤] أي : «حتّى أن يقول» لأنّ «حتّى» في معنى «إلى» ، تقول : «أقمنا حتّى الليل» أي : «إلى اللّيل».
فإن قيل : إظهار «أن» ها هنا قبيح ، قلت : «قد تضمر أشياء يقبح إظهارها إذا كانوا يستغنون عنها». ألا ترى أنّ قولك : «إن زيدا ضربته» منتصب بفعل مضمر لو أظهرته لم يحسن. وقد قرئت هذه الآية (وزلزلوا حتّى يقول الرّسول) [البقرة : الآية ٢١٤] يريد : «حتّى الرّسول قائل» ، جعل ما بعد «حتّى» مبتدأ. وقد يكون ذلك نحو قولك : «سرت حتّى أدخلها» إذا أردت : «سرت فإذا أنا داخل فيها» و «سرت أمس حتى أدخلها اليوم» أي : «حتّى أنا اليوم أدخلها فلا أمنع». وإذا كان غاية للسير نصبته. وكذلك ما لم يجب مما يقع عليه «حتّى» نحو (لا أبرح حتّى أبلغ مجمع البحرين أو أمضى حقبا) [الكهف : الآية ٦٠].
وأما (لن يخلف الله وعده) [الحج : ٤٧] فنصب ب «لن» كما نصب ب «أن» وقال بعضهم : إنما هي «أن» جعلت معها «لا» كأنه يريد «لا أن يخلف الله وعده» فلما كثرت في الكلام حذفت ، وهذا قول ، وكذلك جميع «لن» في القرآن. وينبغي لمن قال ذلك القول أن يرفع «أزيد لن تضرب» لأنّه في معنى «أزيد لا ضرب له». وكذلك ما نصب ب «إذن» تقول : «إذن آتيك» تنصب بها كما تنصب ب «أن» وب «لن» فإذا كان قبلها الفاء أو الواو رفعت نحو قول الله عزوجل (وإذا لّا تمتّعون إلّا قليلا) [الأحزاب : الآية ١٦] وقال (فإذا لّا يؤتون النّاس نقيرا) [النّساء : الآية ٥٣] وقد يكون هذا نصبا أيضا عنده على أعمال «إذن». وزعموا أنّه في بعض القراءة منصوب وإنّما رفع لأنّ معتمد الفعل صار على الفاء والواو ولم يحمل على «إذن» ، فكأنه قال : فلا يؤتون الناس إذا نقيرا» و «ولا تمتّعون إذن» وقوله (لئلا يعلم أهل الكتاب أن لا يقدرون على شيء) [الحديد : ٢٩] و (وحسبوا أن لا تكون فتنة) [المائدة : ٧١] و (أن لا يرجع إليهم قولا) [طه : ٨٩] فارتفع الفعل بعد «أن لا» لأنّ «أن» هذه مثقّلة في المعنى ، ولكنها خففت وجعل الاسم فيها مضمرا ، والدليل على ذلك أنّ الاسم يحسن فيها والتثقيل. ألا ترى أنّك تقول : «أفلا يرون أنّه لا يرجع إليهم» ، وتقول : «أنّهم لا يقدرون على شيء» و «أنّه لا تكون فتنة». وقال (آيتك أن لا تكلم الناس) [آل عمران : ٤١] نصب لأن هذا ليس في معنى المثقّل ، إنما هو (آيتك أن لا تكلم) كما تقول : (آيتك أن تكلم) وأدخلت (لا) للمعنى