ظاهره ، ولم يكن قبل ذلك عرفه بفجرة ولا جرّب عليه غدرة ، فيكون تصديقه له على جهة حسن الظن وتعديل الشاهد ، ولأنّه لم يكن كثير منهم يعرف حقائق الحجج ، والذي يقطع بشهادته على المغيب ، وكان ذلك شبهة على أكثرهم ، فلذلك قلّ النكير وتواكل الناس واشتبه الأمر ، فصار لا يتخلص إلى معرفة حق ذلك من باطله إلاّ العالم المتقدّم والمؤيد المسترشد.
ولأنه لم يكن في عثمان في صدور العوام وفي قلوب السّفلة والطغام ما كان لهما من الهيبة والمحبّة. ولأنّهما كانا أقلّ استيثارا بالفيء وأقلّ تفكّها بمال الله منه ، ومن شأن الناس إهمال السّلطان بما وفّر عليهم أموالهم ، ولم يستأثر بخراجهم ولم يعطّل ثغورهم. ولأنّ الذي صنع أبو بكر من منع العترة حقّها [ حظّها ] والعمومة ميراثها قد كان موافقا لجلّة قريش وكبراء العرب. ولأن عثمان أيضا كان مضعوفا في نفسه ومستخفّا لقدره ، لا يمنع ضيما ولا يقمع عدوّا ، ولقد وثب أناس على عثمان بالشتم والقدح ، والقذف بالتشنيع والنكير ، لأمور لو أتى عمر أضعافها وبلغ أقصاها لما اجترءوا على اغتيابه ، فضلا عن مبارزته والإغراء به ومواجهته ، كما أغلظ عيينة بن حصين له فقال له : أما أنه لو كان عمر لقمعك ومنعك ، فقال عيينة : إنّ عمر كان خيرا لي منك ، أرهبني فأنقاني.
ثم قال : والعجب أنا وجدنا جميع من خالفنا في الميراث على اختلافهم في التشبيه والقدر والوعيد ، يرد كل صنف منهم من أحاديث مخالفيه وخصوصه ما هو أقرب أسنادا وأصح رجالا وأحسن اتصالا ، حتى إذا صاروا إلى القول في ميراث النبيّ نسخوا الكتاب ، وخصّوا الخبر العام بما لا يداني بعض ما رووه وكذّبوا ناقليه ، وذلك أن كل إنسان منهم إنما يجري إلى هواه ويصدق ما وافق رضاه.
مضى ما أردنا حكايته من كلام الجاحظ » (١).
__________________
(١) الشافي في الامامة : ٣٣٣ ـ ٣٣٤.