والعقل الفطري يحدد كمّية المسئولية ، بما لو خرج عنه لعدّ متمرّداً ، ولا يصدق التمرّد إلّا إذا كان البيان واصلاً.
٢. الحكم الحقيقي متقوّم بالبيان
وهنا بيان آخر لتبيين قبح العقاب بلا بيان وهو ما أفاده المحقّق الاصفهاني فقال : إنّ مدار الإطاعة والعصيان على الحكم الحقيقي ، والحكم الحقيقي متقوم بنحو من أنحاء الوصول لعدم معقولية تأثير الإنشاء الواقعي في انقداح الداعي ، وحينئذٍ لا تكليف حقيقي مع عدم الوصول فلا مخالفة للتكليف الحقيقي ، فلا عقاب ، فانّه على مخالفة التكليف الحقيقي. (١)
يلاحظ عليه : أوّلاً : المنع من عدم كون الحكم الإنشائي ، حكماً ، بشهادة صحّة تقسيمه إلى الإنشائي والفعلي ، تقسيماً حقيقياً ، لا مجازياً.
وثانياً : أنّ الحكم الحقيقي أعمّ من الحكم الواصل إلى المكلّف ، كما إذا تمّ البيان من المولى ولكن حالت الموانع بينه وبين المكلّف ، فالحكم عندئذ فعليّ حقيقيّ غير منجّز ، فلو كان المدار في وجوب الطاعة ، هو الحكم الحقيقي فيجب الاحتياط إذا احتمل تمامية البيان من المولى أو ظن بها مع أنّه مجرى البراءة لدى القائل.
والأولى تحديد موضوع وجوب الطاعة وحرمة التمرّد ، فهل موضوع الوجوب هو انكشاف الواقع انكشافاً علميّاً ، أو يعمّ مطلق الانكشاف ولو كان احتمالياً؟ فمن قال بعدم وجوب الاحتياط قال بالوجه الأوّل ، ومن قال بوجوبه قال بالوجه الثاني ، فالواجب علينا تحرير موضوع وجوب الطاعة لا إحراز صدق الحكم وعدم
__________________
(١). نهاية الدراية : ٢ / ١٩٠.