وأين هذا من الإفتاء بالحكم العقلي القطعي الموافق للفطرة الإنسانية والحكم الواضح عند العقلاء.
والحاصل : إنّ هذه الرواية تندد بعمل أبي حنيفة ؛ فإنّه لم يثبت إلّا سبعة عشر حديثاً من أحاديث النبي (١) ومع ذلك يبني على المقاييس والآراء الّتي اعتمد عليها فقهه الّذي عمل به أغلبُ المسلمين.
ولذلك نرى أنّ الإمام الصادق عليهالسلام يذمّ أبا حنيفة وابن شبرمة ، يقول الأخير : دخلت أنا وأبو حنيفة على جعفر بن محمد عليهماالسلام فقال لأبي حنيفة : «اتّق الله ولا تقس في الدين برأيك ، فإنّ أوّل من قاس إبليس». (٢)
وكذلك قال أبو جعفر عليهالسلام لسلمة بن كهيل والحكم بن عتيبة : «شرّقا وغرّبا ، فلا تجدان علماً صحيحاً إلّا شيئاً خرج من عندنا أهل البيت». (٣)
الطائفة الثالثة : ما يدلّ على أنّ المرجع هو الكتاب والسنّة
هناك روايات تدلّ على أنّ المرجع في الأحكام هو الكتاب والسنّة ، قال أمير المؤمنين عليهالسلام : «من أخذ دينه من أفواه الرجال أزالته الرجال ، ومن أخذ دينه من الكتاب والسنّة زالت الجبال ولم يزل». (٤)
وقال عليهالسلام : «وإنّما الناس رجلان : متتبع شرعة ، ومبتدع بدعة ، ليس معه من الله برهان سنّة ، ولا ضياء حجّة». (٥)
يلاحظ عليه : أنّها بصدد ردّ علم من يعمل بكلّ ما اشتهر على ألسن الناس وإن لم يكن له دليل ، مقابل من يرجع إلى الكتاب والسنّة ، ولا صلة له بالبحث
__________________
(١). مقدّمة ابن خلدون : ٢٨٢ ، فصل الحديث ، طبع دار ومكتبة الهلال.
(٢). الوسائل : ١٨ ، الباب ٦ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٢٥ و ١٦.
(٣). الوسائل : ١٨ ، الباب ٦ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٢٥ و ١٦.
(٤). الوسائل : ١٨ ، الباب ١٠ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٢٢ و ٣١.
(٥). الوسائل : ١٨ ، الباب ١٠ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٢٢ و ٣١.