الأمر التاسع : السبب من وراء العمل بالقياس
ظهر القول بالقياس بعد رحيل النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لمواجهة الأحداث الجديدة ، وكان هناك اختلاف حادّ بين الصحابة في الأخذ به ، ولو توفّرت بأيديهم نصوص فيها لما حاموا حول القياس ، ولكن إعواز النصوص جرّهم إلى العمل بالقياس ، لأجل معالجة المشاكل العالقة والمسائل المستحدثة ، وقد نقل ابن خلدون عن أبي حنيفة أنّه قال لم يصحّ عندي من أحاديث الرسول إلّا سبعة عشر حديثاً. (١) فإذا كان الصحيح عنده هذا المقدار اليسير فكيف يقوم باستنباط الأحكام من الكتاب والسنّة؟! فلم يكن له محيص إلّا اللجوء إلى القياس ونظائره.
قال عبد الوهاب خلاف : إنّ نصوص القرآن والسنّة متناهية ، والوقائع غير محدودة ، فلا يمكن أن تكون النصوص المتناهية مصادر تشريعية لما لا يتناهى ، والقياس هو المصدر التشريعي الّذي يساير الوقائع المتجدّدة ، ويكشف عن حكم الشريعة فيما يقع في الحوادث ويوفق بين التشريع والمصالح. (٢)
هذا النص يدلّ على أنّ اللجوء إلى القياس وأشباهه ، كان لأجل انسداد العلم ، وعدم التمكّن من استنباط الحكم الشرعي عن طريق الكتاب والسنّة ، فلم يروا بدّاً من العمل بالظن القياسي بحجّة أنّه أقرب الطرق إلى كشف الحكم الشرعي في الموارد.
يلاحظ عليه : أنّ عدم إيفاء النصوص بالإجابة عن جميع الأسئلة المتوفرة ،
__________________
(١). مقدمة ابن خلدون : ٤٤٤ ، الفصل السادس في علوم الحديث. لكنّ الحنفية ينكرون صحّة هذه النسبة إلى إمامهم.
(٢). مصادر التشريع الإسلامي : ٣٥ ، انظر المنخول من تعليقات الأُصول : ٣٢٧ و ٣٥٩.