من باب اجتماع الضدين ، فان امتناع اجتماع الضدين يرتفع باختلاف المورد ، وقد وافاك بما لا مزيد عليه ، ان مصب الأحكام وموضوعاتها انما هي العناوين والحيثيات فلا إشكال لو قلنا بإباحة هذا الفعل أعني شرب الماء بما انه شرب وحرمته من أجل الهتك والتجري والطغيان ، فالعنوانان منطبقان على مصداق خارجي ، والخارجي ، مصداق لكلا العنوانين ، وهما مصبان للأحكام على ما أوضحناه في مبحث الاجتماع.
واما ما ربما يقال في دفع التضاد : من ان العناوين المنتزعة عن مرتبة الذات مقدمة على العناوين المنتزعة عن الشيء بعد ما يقع معروضة للإرادة فان المقام من هذا القبيل فان شرب الماء ينتزع عن مرتبة الذات للفعل ، واما التجري فانما ينتزع عن الذات المعروضة للإرادة ، ونظير المقام ، الإطاعة ، فانها متأخرة عن ذات العمل فغير مفيد لأن القياس مع الفارق ، فان الإرادة لم تتعلق إلّا بإتيان ما هو مقطوع الحرمة ، والتجري منتزع عن إرادة إتيان ما هو مقطوع الحرمة أو منتزع من إتيانه ، وإرادة إتيانه أو نفس إتيانه الّذي ينتزع منهما التجري ، ليسا متأخرين عن عنوان شرب الماء بحسب الرتبة ، (والحاصل) ان الإرادة لم تتعلق بشرب الماء حتى تتأخر عن الشرب ، ويتأخر عنوان التجري عن هذه الإرادة ، تأخر المنتزع عن منشأ انتزاعه ، وهذا بخلاف الطاعة المتأخرة عن الإرادة والأمر ، وهما متأخران عن عنوان الذات أعني الصلاة والصوم.
ثم ان القوم فتحوا هنا باباً واسعاً للبحث عن الإرادة وملاك اختياريتها واختيار الأفعال الصادرة عنها. وبما انا قد استوفينا حق المقال فيهما عند البحث عن اتحاد الطلب والإرادة فالأولى ترك الكلام روماً للاختصار (١).
__________________
(١) فقد أفردنا لما أفاده سيدنا الأستاذ في هذه المباحث من الحقائق الراهنة والكنوز العلمية ، رسالة مفردة ، وعلقنا عليها بعض التعاليق وهي جاهزة للطبع.