الازمنة السابقة ، من جهة قلّة الابتلاء بلبسها ، فلا يلزم من المنع حرج يلزم منه في زماننا وأشباهه ، وإلَّا فكيف يظنّ بهم القطع بالمنع على ما في المدارك ، مع كون قاعدة نفي الحرج من القواعد المسلمة عندهم ، قد دلّ عليها الكتاب والسنة ، بل العقل عند بعضهم ، أو غفلتهم عن لزوم الحرج على أبعد الوجهين ، سيما مع ما شاهدوا من استدلال مثل الأردبيلي قدسسره به ، فإنّ عامّة من تأخر عنه إلّا من شذّ تابع في الحكم ، بلزوم الاحتياط ، من تقدّم عليه ، فلا يتوجه على هذا الاستدلال ، كون القاعدة بنفسها موهونة ، من جهة كثرة الخارج عنها مضافاً إلى إعراض الاصحاب عنها في خصوص المقام.
ودعوى أن الغالب الغفلة عن حال اللباس في حق اكثر المكلفين. فلا يلزم حرج من المنع عن صورة الالتفات والشكّ ، فاسدة ؛ لأنّ الكلام في أنّ الحكم الشرعى في موضوع الشك في حال اللباس لو كان ، لزوم الاحتياط وبطلان الصلاة لزمه وقوع المكلفين الشاكين في الحرج الشديد وإن لم يحصل الشك لأكثرهم ، وهذا نظير منع لزوم الحرج من الاحتياط الكلي على تقدير انسداد باب العلم والظنّ الخاصّ في غالب الاحكام بذهاب الاكثر إلى انفتاح باب الظّنّ الخاصّ.
هذا ويتوجه على هذا الوجه المنع من لزوم الحرج من ترك لبس الثوب المشتبه ؛ إذ توهّم لزومه إنّما هو من جهة الابتلاء باللبس في هذه الازمنة ، وهذا الابتلاء كما ترى إنّما هو باختيار المكلف فلو بنى على ترك اللبس ، أو النّزع حال الصلاة فأي حرج يلزم عليه ، فان اهالي الاعصار السابقة كانوا مستريحين عن لبس هذه الالبسة ولم يقعوا في حيص وبيص فلو تبعهم اهالى ساير الاعصار لم يلزم عليهم نقص أصلاً ، لا في دينهم ولا في دنياهم.
ودعوى عدم التفات أعاظم الأصحاب رضوان الله عليهم ، بلزوم هذا المحذور من الفتوى بالمنع ، في كمال البعد عن ساحتهم ، فلا بدّ ، إمّا من القول : بعدم لزوم الحرج ، عندهم ، أو من إعراضهم عن القاعدة ، الموهن لها جدّاً.